بيان خطي للدورة الأربعين لمجلس حقوق الإنسان: تفشّي ظاهرة الإفلات من العقاب في البحرين

تغتنم منظمة أميركيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين (ADHRB) فرصة مشاركتها في الدورة الأربعين لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لإثارة مخاوف جدية بشأن ظاهرة الإفلات المنهجي من العقاب في البحرين. في حين أن الحكومة البحرينية قامت بشكل رمزي بتمكين آليتي رقابة لضمان المساءلة في انتهاكات الحقوق لهذه الهيئات، فإن أمين عام مكتب التظلمات التابع لوزارة الداخلية والمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان (NIHR) يفتقران إلى الاستقلالية، والنزاهة ووسائل محاسبة المسؤولين، الأمر الذي يساعد على انتشار ظاهرة الإفلات من العقاب المتجذّرة في أعلى مناصب الحكومة.

للإطلاع على نسخة البيان PDF

انتهاكات مستشرية في الآونة الأخيرة

أدّى تقاعس البحرين عن التعامل مع انتهاكات حقوق الإنسان بشكل جدّي إلى انتشار ظاهرة الإفلات من العقاب المتجذّرة في أعلى مناصب الحكومة. ويعود سبب ذلك إلى رفض كبار المسؤولين وأعضاء الأسرة الحاكمة اتخاذ إجراءات جدية لمحاسبة المعتدين، مما أدّى إلى انتشارها بين المؤسسات غير الحكومية أيضاً.

فامتدت ظاهرة الإفلات من العقوبة لتشمل سجون البحرين، حيث يقوم المسؤولون بتعذيب السجناء وبإساءة معاملتهم، بمن فيهم المدافعون عن حقوق الإنسان والسجناء السياسيون، دون الخوف من مقاضاتهم. كما تقوم الحكومة بأعمال انتقامية وتهديدات بالعنف لترهيب المدافعين عن حقوق الإنسان ولا سيما الشخصيات السياسية والدينية والصحافيين والمعارضين. ولا يزال الاحتجاز التعسّفي والاختفاء القسري منتشراً بشكل كبير، وهذه من الأساليب التي يعتمدونها لزرع الخوف. وعلى الرغم من تلك التجاوزات، لا يخضع أفراد قوات الأمن المعتدين للمحاكمة وللمساءلة.

استهداف الصحافيين

منذ عام 2011، تعمل مملكة البحرين بشكل منهجي على قمع حرية التعبير وتجريم كل كلام ترى أنه يهدد الأسرة الحاكمة أو الحكومة. ونتيجة لذلك، تم استهداف الصحافيين ومضايقتهم وقتلهم في بعض الحالات بسبب عملهم.

في أبريل 2011، تُوفي كريم فخراوي، رئيس تحرير صحيفة الوسط، الصحيفة المستقلة الوحيدة في البحرين، أثناء احتجازه لدى وكالة الأمن القومي (NSA)، وهي الشرطة السرية في البحرين. لم يتم اتهام الضباط المتورطين بالتعذيب، فقضوا فقط ثلاث سنوات في السجن بتهم أقل من ذلك. عام 2011، قامت قوات الأمن بتعذيب الصحفية نزيهة سعيد. على الرغم من وجود الأدلة، تمت تبرئة الضابط المسؤول من أي مخالفات. عام 2011، توفي زكريا رشيد حسن الأشعري في ظروف غامضة بعد اعتقاله، والتي بررها الضباط بمضاعفات سبّبها فقر الدم. صرّحت عائلته بأنه لم يعانِ من هذا المرض، ولكن لم يُفتح أي تحقيق مستقل من جانب الموظفين المكلفين بتنفيذ القانون. عام 2012، أطلقت قوات الأمن النار على أحمد إسماعيل، وهو مصوّر صحافي، بينما كان يصور احتجاجاً على سباق الجائزة الكبرى للفورمولا 1. بحسب أقوال الشهود، استُهدف لأنه كان يحمل كاميرا فيديو. وعلى الرغم من دعوات الأمم المتحدة للتحقيق في قضيته بعد وفاته، بما في ذلك المدير العام لمنظمة اليونسكو، لا تزال قضيته معلّقة.

عام 2017، أطلقت قوات الأمن النار على الصحافي مازن مهدي وأصابت يده، إلى جانب إطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع وذلك أثناء قيامه بتغطية جنازة مصطفى حمدان، وهو المتظاهر البالغ من العمر 18 عاماً الذي قتل على أيدي قوات الأمن عام 2017. وتجدر الإشارة إلى أن مهدي كان يرتدي السترة الخاصة بالـ”صحافة”.

في يناير 2017، استخدمت قوات الأمن الملثمة القوة المفرطة ضد المتظاهرين في قرية الدراز، وأطلقت الذخيرة الحية على المتظاهرين المسالمين. ويعتقد أن قوات الأمن هم أعضاء في وكالة الأمن القومي. وفي مايو 2017، قامت قوات الأمن مرة أخرى بمهاجمة المتظاهرين في الدراز، واعتقلت المئات، وجرحت آخرين، وقتلت خمسة. ومع ذلك، لم يفتح المسؤولون تحقيقاً في الهجمات.

في مايو 2017، استدعى مسؤولو الأمن المدافعة البارزة عن حقوق الإنسان ابتسام الصائغ إلى مركز شرطة المحرق لاستجوابها. هناك، تعرّضت للإساءة وللتعذيب الجسدي والنفسي والجنسي لمدة سبع ساعات من قبل وكالة الأمن القومي. كما قاموا بتهديدها وعائلتها في حال واصلت عملها في مجال حقوق الإنسان. وعلى الرغم من الأدلة الواضحة على التعذيب، بما في ذلك شهادة الصائغ، رفض المسؤولون الحكوميون فتح تحقيق في قضيتها.

وقبل شهر واحد، استدعى المسؤولون المدافعة عن حقوق الإنسان، نجاح يوسف، لاستجوابها في مركز شرطة المحرق. عندما رفضت إعطاء معلومات للحكومة، قام الضباط بضربها، والاعتداء عليها جنسياً وتعذيبها لمدة سبع إلى ثماني ساعات على مدى ثلاثة أيام. لم يُحاسب أي من المسؤولين الكبار على إساءة معاملتها أو تعذيبها.

غياب المساءلة

إنّ رفض المسؤولين البحرينيين لمحاكمة ومقاضاة أفراد قوات الأمن للمساءلة عن الانتهاكات قد ساعد في انتشار ظاهرة الإفلات من العقاب. منذ عام 2011، لم يواجه سوى أقلية صغيرة من المسؤولين الحكوميين والأمنيين تهماً بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، وقضى عددٌ قليلٌ منهم وقتاً في السجن. ومع ذلك، تم تخفيف الأحكام الصادرة بحق أولئك الذين حُكم عليهم بالسجن عند الطعن بها.

كلّفت البحرين أمين عام التظلمات والمعهد الوطني لحقوق الإنسان بتقييم انتهاكات حقوق الإنسان، التي يرتكبها المسؤولون الحكوميون، والتصدّي لها. ومع ذلك، لا يوجد هيئة مستقلة أو غير متحيّزة. ونتيجة لذلك، لا يقتصر ذلك على عدم فعاليتهما، بل هما متواطئان في تبييض انتهاكات حقوق الإنسان.

إنّ عملية التحقيق ومعالجة شكاوى أمين عام التظلمات هي بطيئة وغير فعالة، وتفتقر الى الحد الأدنى من الإجراءات والمساءلة عن الانتهاكات التي يرتكبها أفراد وزارة الداخلية. في الآونة الأخيرة، أساء المسؤولون في سجن مدينة عيسى للنساء لهاجر منصور، ونجاح يوسف ومدينة علي. وأفادت الأنباء أن موظفو السجون، بمن فيهم رئيس السجن، قد ضربوا منصور، ويوسف وعلي، مما أدى إلى دخول منصور إلى المستشفى. كما أبلغت منصور عن مضايقات، بما في ذلك الحرمان من حقوق الزيارة العائلية، والحرمان من ممارسة الشعائر الدينية، وعدم وجود مستلزمات النظافة.

ورفض أمين عام التظلمات معالجة طلبات هاني وحسين مرهون – وهما أب وابنه محتجزان في سجن جو. وقد قدم هاني مرهون عدة شكاوى تتعلق بالتعذيب وطلبات لرؤية ابنه، لكن أمين عام التظلمات والمكتب الوطني لحقوق الإنسان لم يتجاوبا بشكل فعّال مع هذه الطلبات بطريقة تحدث تغييراً جوهرياً في ظروف احتجازهما. وعلاوة على ذلك، تم حرمان الزعيم السياسي حسن مشيمع من الرعاية الطبية باستمرار في السجن، ولم يتوفر له الإهتمام الكافي لتتحسّن حالته على الرغم من تقديم العديد من الشكاوى نيابة عنه. وقد عززت التقارير السنوية لأمين عام التظلمات فشل المؤسسة ورفضها لتقديم الدعم الجوهري للسجناء، وتفادي الإساءات التي يرتكبها أفراد وزارة الداخلية.

كما دعمت NIHR بعض الإجراءات الحكومية القمعية، وقد غطّت تقاريرها السنوية العديد من انتهاكات المملكة، بما في ذلك هجمات الشرطة عام 2017 على الدراز، حيث أغفل التقرير أي ذكر للإصابات والوفيات الناجمة عن الهجمات. وعلاوة على ذلك، أخفقت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في انتقاد سوء معاملة المسؤولين، يوسف وعلي، بدلاً من ذلك أصدرت بيان اعتبرت فيه أن استخدام الضرب هو “في نطاق الاستخدام المعقول للقوة”. في يناير 2017، أقرّت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان إعدام ثلاثة رجال تعرضوا للتعذيب، واصفةً إياه بأنه “وفقاً للمعايير الدولية المعترف بها”، في تناقض مباشر مع التقييمات من خبراء الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان الدولية.

إن إهمال هذه المؤسسات في دعم مهامها قد لفت انتباه الإجراءات الخاصة للأمم المتحدة. أثارت فريق عمل الأمم المتحدة المعني بالاعتقال التعسفي (WGAD) ولجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة مخاوف جدية بشأن آليات الرقابة في البحرين. في المراجعة الأولى للبحرين بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في منتصف عام 2018، لاحظت اللجنة أن آليات الرقابة البحرينية، لا سيما المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، تفتقر إلى الاستقلال عن الدولة. في أغسطس 2018، أصدرت WGAD تقريراً اعتبرت فيه أن المدافع عن حقوق الإنسان نبيل رجب معتقل بشكل تعسفي في البحرين. وفي تقرير آخر لها عام 2019، اعتبرت WGAD أن احتجاز هاجر منصور تعسّفي. وعلى الرغم من ذلك، لم يستجب أمين عام التظلمات والمكتب الوطني لحقوق الإنسان لمطالب الإجراءات الخاصة للأمم المتحدة أبداً.

تورّط العائلة الحاكمة

على الرغم من سجل البحرين الحافل بانتهاكات حقوق الإنسان والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، لم تتخذ الحكومة أي خطوات للحد من المخاوف المحيطة بظاهرة الإفلات من العقاب. بدلاً عن ذلك، وصلت ظاهرة الإفلات من العقاب في البحرين إلى أعلى مناصب الحكومة البحرينية، بما في ذلك عائلة آل خليفة. وقد تورّط الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة، نجل الملك حمد، بشكل مباشر في مزاعم التعذيب ودافع عن إساءة معاملة المعارضين. بعد الحراك الديمقراطي عام 2011، استغلّ الشيخ ناصر منصبه كرئيس للجنة الأولمبية الوطنية البحرينية وشكّل لجنة خاصة للتعرّف على أكثر من 150 من أعضاء المجتمع الرياضي للمشاركة في الاحتجاجات ومعاقبتهم. علاوة على ذلك، يقول أحد زعماء المعارضة محمد حبيب المقداد أن الشيخ ناصر شارك شخصياً في ضربه وضرب شخصيات معارضة أخرى. وكنتيجة لمزاعم مشابهة أطلقها بحريني مجهول يدعى “ف.ف”، ألغت المحكمة العليا في لندن حصانة الشيخ ناصر الدبلوماسية في المملكة المتحدة. لكن رغم العديد من الادعاءات والأدلة على إساءة استغلال دوره كرئيس للجنة الأولمبية، لم تتم محاكمة الشيخ ناصر، وبدلاً عن ذلك، تم تعيينه في مجلس الدفاع الأعلى – أعلى هيئة للأمن القومي في البحرين – حيث يسافر حول العالم ويمثّل مساعي البحرين في قطاع الرياضة الدولية.

التوصيات

تدعو منظمة ADHRB البحرين إلى:

  • إصلاح آليات المساءلة والرقابة لضمان نزاهتها واستقلالها عن الحكومة؛
  • فتح تحقيقات شفافة في ادعاءات التعذيب وسوء المعاملة من قبل أفراد قوات الأمن ومقاضاة كل شخص تثبت إدانته؛
  • إقالة اﻷﻓراد اﻟذﯾن اتُهموا بمزاﻋم اﻹﺳﺎءة ﻣن منصبهم ﺑﺎﻧﺗظﺎر اﻟﺗﺣﻘﯾق
  • التأكد من محاسبة المسؤولين الحكوميين على جميع المستويات – بما في ذلك العائلة الحاكمة – على الانتهاكات؛
  • فتح تحقيق مستقل ونزيه حول دور الشيخ ناصر بن حمد في الانتهاكات المرتكبة بعد عام 2011 وتحميله المسؤولية عن أي انتهاكات؛
  • الإفراج فوراً عن السجناء المدانين حول قضايا تتضمن أدلة على الإفلات من العقاب من جانب المسؤولين المعنيين.