السعودية : نظام قضائي غير عادل ينتهك المعايير القضائية والدولية والإنسانية

يعتبر النظام القضائي في السعودية  أكثر الأنظمة القضائية  إثارة  للجدل ، وهو لطالما كان محور التوصيات المقدمة في المؤتمرات والمحافل الدولية والمطالبة بشدة في السعي إلى إصلاحه أو تحسين استقلاله ، كما أنه محل إستنكار وشجب دائم عند مختلف جهات المجتمع المدني وخاصة المنظمات الحقوقية التي تراقب وترصد مختلف الانتهاكات التي يرتكبها هذا النظام بحقوق الإنسان متجاوزًا المعايير القضائية والدولية والإنسانية .

لا يكف المسؤولون في السعودية عن تبرير عدم تنفيذهم أو سعيهم لإصلاح النظام القضائي بذريعة أن مرجعيته هو الشريعة الإسلامية ، وأن ذلك هو ما نص عليه النظام الأساسي للحكم ، متجاوزين أن موضوع الشريعة هو مفهوم مطاطي تسنخدمه الدولة بالطريقة التي تناسبها  للتعامل مع الالتزامات الدولية فحسب. إذ لا يخفى على أحد أن السلطة القضائية في البلاد ليست مستقلة ، وهي كغيرها  من السلطات ( مجلس الشوى ومجلس الوزراء ) يتولاها الملك في ظل غياب لأي دستور مدوّن.  أما  النظام  الأساسي للحكم فهو يتضمن مواد مبهمة ولا ينص صراحة على حمايـة الحقـوق والحريـات الأساسية ، ولا تحدد التشريعات القائمة الجرائم والسلطات تحديداً واضحاً. أما مجلس الشورى في المملكة فيعتبر هيئة استشارية يعين الملك كامل أعضاءها ولا تملك أي سلطة حقيقية  فيما ينحصر دور مجلس الوزراء بصياغة القوانين التي تعود إلى الملك المصادقة عليها ، ومن الممارسات التي تؤكد على تبعية االسلطة القضائية للسلطة السياسية العليا وعدم استقلالها عنها ما صدر في يناير 2013، من مرسوم ملكي ينص على إقالة جميع قضاة المحكمة العليا وتعيين قضاة جدد، فضلاً عن حل المجلس الأعلى للقضاء وإعادة تأسيسه. ومن هنا مخالفة صريحة لأولى المبادئ الأساسية التي اعتمدتها الأمم المتحدة بشأن استقلال السلطة القضائية ” تضمن الدولة استقلال السلطة القضائية وتكرِّس ذلك في دستور البلد أو في قانونه. ومن واجب جميع الحكومات والمؤسسات الأخرى احترام استقلال السلطة القضائية والتقيد بذلك في ممارستها لمهامها وأعمالها.”

وفي هذا السياق ، قامت السلطات بعدد من الإجراءات القضائية التي انتهكت بها المعايير الدولية لحقوق الإنسان ، رغم قطعها وعودا بتنفيذ التوصيات التي طالبتها بعدد من الإصلاحات في هذا الجانب .وعلى رأسها ضرورة إصدار قانون جنائي  ومدون ومتماشيا مع القوانين والمعايير الدولية حيث يضمن محاكمة الجرائم بطريقة متساوية وموضوعية ، وهو ما تتجاهل تنفيذه المملكة رغم تأييدها المعلن لذلك .  ففي ظل غياب قانون جزائي مكتوب لا يمكن لأحد معرفة ما الذي  يمثل عملاً إجرامياً ولو بأي قدر من الدقة، تاركا للقضاة التقدير في فرض العقوبات . لكن في المقابل حرصت الحكومة على إصدار قانون هو في الطرف النقبض تماما ، “قانون مكافحة الإرهاب” وذلك في العام 2014 ، حيث أتاحت بنوده الغامضة والفضفاضة تجريم حرية التعبير وسمح بموجبه إلقاء القبض التعسفي، واعتقال دون تهمة محددة  للعديد من النشطاء والمطالبين بالإصلاح ومحاكمتهم في محاكم جزائية متخصصة  تخضع مباشرة لسلطة وزير الداخلية وبشكل سري ، وبتهم فضفاضة وتحكم بالسجن لفترات طويلة وبعقوبات قاسية وتعسفية وبذلك تحرمهم من الضمانات الأساسية للمحاكمة العادلة .

وهو بالتحديد ما حصل  مع المدافعَين عن حقوق الإنسان المحامي وليد أبوالخيروالناشط فاضل المناسف ، وقد حكم على كليهما بعيد صدور القانون ، في المحكمة الجزائية المتخصصة بقانون الإرهاب لمدة 15 عاما  بتهم  كـ” الخروج على ولي الأمر “، “إهانة القضاء” ، “محاولة تشويه سمعة المملكة” و”تحريض الرأي العام ضد الدولة”وغيرها من التهم الفضفاضة. ومنذ ذلك التاريخ توالت إعتقالات الناشطين بشكل دوري وتعسفي وغير مبررويتم احتجازهم لسنوات عديدة قبل إصدار الأحكام في محاكمات غير علنية وطويلة الأمد ، في إجراء غير قانوني يتنافى جملة وتفصيلا مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والميثاق العربي لحقوق الإنسان الذي صادقت عليه السعودية في عام ٢٠٠٩.

وكان قد سبق صدور قانون الإرهاب مطالبات  من مجموعة من رجال قانون وحقوقيين ومدافعين أسسوا عام 2009 جمعية الحقوق المدنية والسياسية (حسم) ، بإصلاح جهاز القضاء السعودي وإقامة ملكية دستورية . جميع أعضاء الجمعية وعددهم 11 اعتقلوا وتمت محاكمتهم ، وصدرت بحقهم أحكاما بالسجن لمدد طويلة الأمد ومنع من السفر وحرمانهم من متابعة نشاطهم بعد انقضاء المدة. من أهم التهم التي وجهت اليهم  تأسيس جمعية حقوقية ، لأن السعودية لم تكن تسمح بإنشاء منظمات غير حكومية وغير خيرية مستقلة في ذلك الوقت. في أواخر عام 2015، أصدرت السعودية قانونا جديدا يسمح نظريا بحصول هذه المجموعات على تراخيص، إلا أن السلطات لاتزال تلاحق الناشطين المستقلين وتسجنهم بناء على اتهامات مماثلة.وقد صدر مؤخرا بيان عن الفريق العامل المعني بالإحتجاز التعسفي التابع لمجلس حقوق الإنسان إلى إطلاق سراح النشطاء ومن بينهم بعض أعضاء (حسم) والمدون رائف بدوي وغيرهم، كون حرمانهم من الحرية هو إجراء تعسفي ومخالف للمواد 9و10و19و20 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان .

من الإتهامات التي وجهت إلى بعض النشطاء سواء في جمعية (حسم) أو غيرها من المنظمات التي صار أصحابها وراء القضبان ترتبط بمخالفة نظام ” مكافحة جرائم المعلوماتية ” السعودي الذي يحظر “إنتاج ما من شأنه المساس بالنظام العام، والقيم الدينية، والآداب العامة، وحرمة الحياة الخاصة، أو إعداده أو إرساله أو تخزينه عن طريق الشبكة المعلوماتية”. تفرض هذه المادة عقوبات بالسجن تصل إلى 5 سنوات، وغرامة تصل إلى 3 ملايين ريال سعودي (800 ألف دولار أمريكي).

قوانين مكافحة الإرهاب وقوانين الجرائم الإلكترونية تحد بشكل كبير وسائل الإعلام الإجتماعية ، رغم ان هذا يخالف المادة 19 من الاتفاقية الدولية للأمم المتحدة الخاص بالحقوق المدنية والسياسية .

وترى الحكومة أن أي عمل يمكن أن ينتقد من سياستها فهو تهديد لأمن الدولة ، وأي دعوة للإصلاح ، أو للإحتجاج فهو جرم يعاقب عليه القانون . وتصل عقويته للإعدام . رجل الدين الشيعي الشيخ نمر النمر ، الذي كان يدعو إلى الإصلاح السياسي وينتقد ممارسات السلطة التمييزية بحق المواطنين الشيعة خاصة في منطقة الشرقية ، أعدمته الحكومة السعودية مطلع العام الجاري ضمن عملية إعدام جماعية لـ75 معتقلاً في انتهاك صارخ للقانون الدولي الذي يعارض عقوبة الإعدام، و أما الدول التي لازالت تطبقه، فعليها أن تقتصر في أحكام الإعدام على الجرائم الجسيمة، والتي تعرف بأنها القتل العمد.

وفي تقرير مشترك لمنظمتي هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية ، حول مطالبتهما بتعليق عضوية المملكة العربية السعودية في مجلس حقوق الإنسان ، شددت على أنه يتعين على الممكلة بصفتها عضواً في مجلس حقوق الإنسان، احترام أرفع معايير حقوق الإنسان، وأنها أُعدمت أكثر من 350 شخصاً منذ انتخاب السعودية عضواً في المجلس، حيث شهد عام 2015 تنفيذ عدد من عمليات الإعدام المسجلة يفوق عددها في أي عام آخر منذ سنة 1995.

السعودية تحتاج إلى إصلاح التشريعات لضمان توافقه مع الالتزامات الدولية في مجال حقوق الإنسان. وعليها احترام تعهداتها بصفتها عضو في مجلس حقوق الإنسان والإلتزام بالمواثيق والقوانين الدولية والمحلية، التي تمنع محاكمة الأفراد بناء على آرائهم وعقائدهم وممارستهم الحق في حرية التعبير.إنها تحتاج الى تعزيز الشفافية القضائية، ولا سيما أن لائحة الإنتهاكات  للمعايير الدولية تتجاوز ما عرضناه سواءً من عدم استقلال القضاء و قانون الإرهاب والمحاكمات الغير العادلة للنشطاء والإعدام . ففي نهاية المطاف،  اللائحة تطول مع انتهاكات وتجاوزات أخرى قد تبدأ من  نظام الولاية ولا تقف عند التمييز ضد الأقليات الدينية والمرأة والاعتقال التعسفي والتعذيب وحقوق الطفل والمعاق وغيرها .

الصورة : أخبار24