في 24 أبريل 2025، نشر ثلاثة من المقررين الخاصين التابعين للأمم المتحدة رسالة ادعاء على مواقعهم الإلكترونية، أُرسلت إلى حكومة البحرين بتاريخ 17 فبراير 2025، بشأن قضية المدافع عن حقوق الإنسان والمدون البحريني ناجي فتيل. وأعربت الرسالة عن قلق بالغ إزاء الأعمال الانتقامية التي تعرض لها فتيل عقب الإفراج عنه بعفو ملكي في 8 أبريل 2024، والتي شملت الحرمان من الدعم اللازم بعد الإفراج، وتكرار استدعائه للاستجواب، وفرض قيود على حقوقه الاجتماعية والاقتصادية، بما في ذلك حقه في العمل والحصول على بدل السكن.
وقع الرسالة كل من المقرر الخاص المعني بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان، والمقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير، والمقرر الخاص المعني بالحق في حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات. واستعرضت الرسالة سلسلة من الانتهاكات الانتقامية المزعومة بحق فتيل، بما في ذلك استدعاءات الشرطة المتكررة، والتهديدات من قبل سلطات إنفاذ القانون، والفصل من عمله، وحرمانه من حقوقه في العمل والسكن والدعم الأساسي بعد الإفراج. وأشار المقررون الخاصون إلى أن هذه الأفعال قد تشكل انتهاكات عدة لمعايير دولية لحقوق الإنسان.
وبحسب الرسالة، فقد تم الإفراج عن فتيل بموجب عفو ملكي بتاريخ 8 أبريل 2024، أُسقط بموجبه ما تبقى من مدة حكمه إلى جانب أكثر من 1500 معتقل آخر. ورغم أن خبراء الأمم المتحدة رحبوا بالإفراج عنه واعتبروه “تطوراً إيجابياً للغاية”، إلا أن الأحداث اللاحقة أثارت قلقًا بالغًا.
في أغسطس وسبتمبر 2024، تم استدعاء فتيل مرتين من قبل مسؤولي إنفاذ القانون؛ أولًا إلى مركز شرطة البديع، ثم إلى مديرية التحقيقات الجنائية. وخلال هذه الاستجوابات، وُجهت له اتهامات بتنظيم احتجاجات وتم استجوابه بشأن وضعه المالي، مع نصائح من المسؤولين له بـ”الاهتمام بأسرته”. وعلى الرغم من عدم ملاحقته قضائيًا، إلا أن خبراء الأمم المتحدة سلطوا الضوء على نمط الاستدعاءات المتكررة والتهديدات الضمنية، مؤكدين أن هذه الضغوط أجبرت فتيل على ممارسة الرقابة الذاتية والحد من عمله في مجال حقوق الإنسان.
كما تناولت الرسالة تفاصيل فصل فتيل من عمله في أكتوبر 2024، أي بعد أربعة أشهر فقط من التحاقه بالوظيفة، على خلفية اتهامات بسوء السلوك الوظيفي. ورغم إثبات براءته من هذه التهم، إلا أنه تم فصله من العمل لاحقًا. وأفادت الشركة التي كان يعمل بها أن التهم كانت تعسفية، لكنها رفضت إعادته إلى عمله، واكتفت بعرض تسوية مالية زهيدة أقل بكثير من الحد الأدنى المستحق قانونيًا. علاوة على ذلك، ورغم تقديمه عدة طلبات، لم يتمكن فتيل من استعادة بدل السكن الخاص به، الذي تم تعليقه منذ اعتقاله عام 2013. وكانت وزارة الإسكان تبلغه في كل مرة بأن طلبه لا يزال قيد المراجعة. ويرى فتيل أن هذا التأخير المتعمد هو شكل آخر من أشكال الانتقام بسبب نشاطه الحقوقي بعد الإفراج عنه.
وأشار المقررون الخاصون إلى أن هذه الإجراءات قد تُعدّ انتقامًا من عمل فتيل في مجال حقوق الإنسان، برغم إعلان الحكومة البحرينية خططًا لإعادة دمج السجناء المفرج عنهم. وطالبوا حكومة البحرين بوقف جميع هذه الانتهاكات والأعمال الانتقامية، وضمان عدم تكرارها، وإجراء تحقيقات شاملة لمحاسبة المسؤولين عنها.
وأكد خبراء الأمم المتحدة أن هذه الأفعال تشكّل انتهاكًا لالتزامات البحرين بموجب المواد 19 و21 و22 من العهد الدّولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي تكفل حرية التعبير والتجمع السلمي وتكوين الجمعيات. كما أشاروا إلى أن هذه التدابير تتعارض مع التزامات البحرين بموجب المادة 11 من العهد الدّولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي تضمن الحق في مستوى معيشي لائق، بما في ذلك السكن والعمل. وطالبوا البحرين بتوضيح أسباب الاستجوابات المتكررة لناجي فتيل المرتبطة بنشاطه، وبيان مدى توافق هذه الإجراءات مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان. كما طلبوا معلومات حول التدابير المتخذة لضمان حصول فتيل على دعم إعادة الإدماج، وكيفية امتثالها للمعايير الدولية الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى استفسارهم عن الكيفية التي يمكن بها لفتيل والمدافعين الآخرين عن حقوق الإنسان ممارسة عملهم السلمي والمشروع في بيئة آمنة وخالية من التهديدات أو المضايقات.
وفي 3 أبريل 2025، ردت حكومة البحرين على الرسالة، نافيةً الادعاءات. وادعت أن فتيل لم يتم استدعاؤه إلى مركز شرطة البديع، وأن حضوره إلى إدارة التحقيقات الجنائية في 1 سبتمبر 2024 كان فقط بغرض إصدار “شهادة عدم ممانعة” لازمة للتوظيف. وأضافت أن فتيل تأخر في استلام الشهادة، حيث استلمها بعد أكثر من شهر في 17 أكتوبر. وأكدت الحكومة أن جميع المفرج عنهم بالعفو الملكي، بما في ذلك فتيل، حصلوا على فرص الاستفادة من برامج دعم البطالة وإعادة الاندماج الوظيفي، إلا أن فتيل لم يلتزم بالإجراءات المطلوبة ضمن نظام التأمين ضد البطالة.
غير أن رد الحكومة جاء عامًا ومقتضبًا، معتمدًا على إشارات عامة إلى هيئات رقابية مثل وحدة التحقيق الخاصة والأمانة العامة للتظلمات، دون معالجة الشواغل المستمرة بشأن فعالية واستقلالية هذه المؤسسات. ورغم إشارة الرد إلى وجود برامج دعم للمفرج عنهم، إلا أنه لم يوضح كيف استفاد فتيل منها، أو كيف تم تنفيذ هذه البرامج بشكل عملي. كما احتوى الرد على تناقضات، حيث زعم أن فتيل تلقى الدعم اللازم، مع تحميله في الوقت نفسه مسؤولية عدم الاستفادة من برامج إعادة الإدماج. ولم يتناول الرد تفاصيل الإجراءات الانتقامية المزعومة، خصوصًا المتعلقة بفصله من العمل، وعدم تمكنه من الحصول على وظيفة جديدة، وتعليق طلبه لبدل السكن.
ترحب منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين (ADHRB) بتعليقات المقررين الخاصين وتؤيد مخاوفهم بشأن الأعمال الانتقامية بعد العفو، واستخدام التدابير الإدارية والاجتماعية الاقتصادية لتقييد العمل الحقوقي، فضلًا عن الفشل الظاهر لمبادرات إعادة الإدماج في تلبية المعايير الدولية.
وقال حسين عبد الله، المدير التنفيذي للمنظمة: “لقد سُجن ناجي فتيل دون أي مبرر، والآن، حتى بعد الإفراج عنه، لا تزال الحكومة تلاحقه – مجددًا، دون أي مبرر”. وأضاف: “متى ستفي الحكومة البحرينية بالتزاماتها تجاه حقوق الإنسان – وتترك هذا المدافع السلمي وشأنه أخيراً؟”
تدعو منظمة ADHRB السلطات البحرينية إلى إنهاء جميع أعمال الانتقام ضد فتيل وسائر المدافعين عن حقوق الإنسان، وضمان حصولهم على فرص العمل والاستفادة من الخِدمَات الاجتماعية، واحترام حقوق حرية التعبير، وتكوين الجمعيات، والتجمع السلمي، في كل من القانون والممارسة الفعلية. كما تجدد المنظمة دعوتها، انسجامًا مع دعوة خبراء الأمم المتحدة، لحكومة البحرين بضرورة إجراء تحقيقات شاملة في هذه الانتهاكات، ومحاسبة المسؤولين عنها، وضمان عدم تكرارها مستقبلًا.