انتهاك صارخ لحقوق الإنسان والبيئة في المعامير

للإنسان حق أساسي في الحرية وفي المساواة وفي ظروف حياة مرضية، في بيئة ذات نوعية تسمح له بالعيش في كرامة ورفاهة” – إعلان ستوكهولم 1972

القرية البحرينية الساحلية المعامير هي مثال على انتهاك حقوق الإنسان والبيئة، والذي يتمحور حول أنه “عندما يكون الناس قادرين على الإلمام بالقرارات التي تؤثر عليهم والمشاركة فيها، فإنهم يستطيعون أن يساعدوا على ضمان أن تحترم هذه القرارات حاجتهم إلى بيئة مستدامة.” [1]

المعامير كانت تعرف بغنى الحياة البرية والبيئة والبحرية، حيث انتشرت غابات المانغروف على سواحلها لتوفر بيئة خصبة لنمو وحياة أنواع عديدة من الأسماك والكائنات البحرية الأخرى وأيضاً خلقت موطناً للكثير من الطيور، العديد منها نادر. بسبب طبيعتها هذه عمل أهل المعامير في مهن صيد الأسماك واللؤلؤ.

ومع اكتشاف النفط، بدأت المعامير تظهر على صفحات الصحف المحلية والإعلام الدولي أيضاً، ليس للإشادة ببيئتها الطبيعية، ولكن لتسليط الضوء على الانتهاكات الجسيمة التي طالت حقوق سكانها وحق البيئة، وذلك جراء تطبيق إجراءات عشوائية أدت إلى تدمير البيئة وجعلها من المدن الأكثر تلوثاً في العالم – بحسب تقرير حديث لمنظمة الصحة العالمية صنفت ضمن عشرون مدينة الأكثر تلوثاً في العالم.[2]

اليوم، تعرف المعاميالصورة 0032ر بمنطقتها الصناعية الواقعة على طول سواحلها، والتي تتكون من أكثر من 135 مصانعاً، منها شركة تكرير النفط البحرينية بابكو. تسبب عوادم ونفايات هذه المصانع التلوث بشكل مستمر ومتزايد. تتموقع هذه المصانع بالقرب من المناطق السكنية وعلى بعد مسافة تقدر بحوالي كيلومتر واحد. في الواقع، يتعرض سكان المعامير للغازات السامة والنفايات الكيميائية على مدار الساعة، وقد تم الإبلاغ عن عدة حوادث خطيرة لتسرب غازات أو نفايات عضوية. وعلاوة على ذلك، تقوم العديد من المصانع بتفريغ النفايات الغير معالجة والكيميائية، والتي تتسبب في انخفاض مستوى الأوكسجين في البحر، وقتل الحياة البحرية.

في عام 2014، شوهد تسرب ضخم للنفط في بحر المعامير، استمر لأكثر من أربعة أشهر وتسبب في تغيير لون البحر. وكان لهذا التسرب آثاراً سلبية خطيرة للغاية على الحياة البحرية في المنطقة. في 2 فبراير 2010، اشتكى سكان المعامير والمناطق المجاورة لها من تسرب غازات وأدخن، لها روائح كريهه. وقد صرحت إدارة حماية البيئة والحياة الفطرية أنها لم تكن قادرة على الكشف عن مصدر التسرب، لأنه كان قد انتشر على نطاق واسع جداً، وأيضاً لعدم توفر أجهزة للكشف عن هذه الغازات، حيث ان الأجهزة التي تملكها الإدارة تستطيع تحديد 13 نوع من الغازات فقط. وعلى الرغم من أن بابكو، وهي أكبر مصفاة نفط في البحرين، اعترفت حينها بوجود مشكلة في محطتها التي تقع في المعامير، ولكنها نفت أن تكون مصدراً لهذه الغازات. وبعد أسبوعين من هذا الحادث، وقع حادث آخر مماثل، لتسرب دخان غطى السماء في المعامير والمناطق القريبة.[3] وبعدم قدرة السلطات على تحديد المصدر، فشلت أيضاً في محاسبة المسؤولين عن هذه الحوادث.coast

في عام 2014، استقدمت السلطات شركة استشارات إيطالية لإعداد تقرير عن التلوث في المعامير. وقد أكد الخبراء الإيطاليين لبعض النشطاء أن قرب المنطقة السكنية من المصانع يعتبر غير قانوني، وأضافوا أيضاً أن “المعامير خليط من الصناعات القذرة.” لم تنشر السلطات تقرير الشركة الاستشارية أو تسمح للنشطاء معرفة نتائجه. ويعتبر هذا بحسب المراقبين البيئيين خرقاً خطيراً، وإن دل على شيء فهو تأكيد على خطورة النتائج وسوئها.

تقوم حكومة البحرين بالدفن العشوائي للبحر في المعامير، يلحق هذا ضرراً كبيراً على البيئة البحرية والطبيعية لقرية، حيث أن غالبية سواحل المعامير تم دفنها، كما تخطط الحكومة لدفن ما تبقى منها وذلك رغم الاعتراض الشديد لأهالي المعامير.[4]

disabilitiesللتلوث في المعامير تأثير كبير على سكانها، حيث تشير الأرقام إلى ارتفاع أعداد المرضى بالأمراض السرطانية والتشوهات الجينية والتخلف العقلي. فعلى بعد أمتار قليلة من مدرسة الإمام علي للبنين في المعامير – والتي يدرس فيها 550 طالباً تتراوح أعمارهم بين الستة والـ12 عاماً – يقع مصنع الأسمنت.[5] وقد لوحظ زيادة الأمراض الجلدية وأمراض الجهاز التنفسي بين الأطفال، فعلى الرغم من عدم الإعلان عن ذلك رسمياً، وجد أن مدرسة الإمام علي قد حققت أقل نتيجة للتحصيل الدراسي للأطفال في البحرين، وقد يكون هذا بسبب التلوث الذي يتعرض له الأطفال بشكل يومي.

في عام 2005، وقع حادث لتسرب الغازات، وقد أكد النشطاء أن التسرب تسبب فيما لا يقل عن أربع حالات إجهاض في المعامير في ليلة واحدة.[6] في دراسة أجريت بين عامي 1999 و 2001، وجد أن في المعامير أكبر عدد من المصابين بمرض السرطان، بمجموع 50 فرداً من سكان هذه القرية. مع غياب الدراسات والأرقام الرسمية، يعتقد المراقبين أن عدد المصابين بهذه الأمراض أعلى اليوم مما كان عليه عند إجراء الدراسة. [7] في عام 2010، صرح أحد الأطباء أن سجلات وزارة الصحة تشير أنه منذ عام 1997 تم تشخيص 15 شخصاً بمرض السرطان في المعامير فقط. تعتبر هذه النسبة عالية جداً بالنسبة لعدد سكان المعامير. ولم يكن هذا المرض الوحيد الذي يعتقد أن يكون نتيجة مباشرة للتلوث حيث انتشرت أيضاً أمراض الغدد الليمفاوية والجهاز التنفسي. [8] بالإضافة لذلك، هناك العديد من حالات الإعاقات العقلية بين سكان المعامير. في 2012، رصد نشطاء 100 حالة إعاقة عقلية في المعامير، ويعتبر العدد كبيراً جداً بالنسبة لحجم وعدد سكان المعامير.

housesلم تقتصر الحكومة في البحرين على تجاهل حقوق البيئة والسماح للمصانع باستمرار تسببها في التلوث، ولكنها تجاهلت أيضاً حقوق المواطنين من سكان القرية التي تعاني من الفقر. حيث أن سكان المعامير لا يملكون مقومات العيش الكريم بالرغم من مجاورتهم للمنطقة الصناعية التي تربح الملايين. تعاني المعامير من معدل بطالة مرتفع بالرغم من الوعود المتكررة من هذه المصانع وخاصةً بابكو بتوظيف أبناء القرية الذين خسروا مصادر عيشهم بسبب هذه المصانع. إضافة إلى هذا، فإن الأمراض والإعاقات، ساهمت أيضاً في زيادة حدة الفقر. وفي الوقت نفسه، تفتقر المعامير لمعظم الخدمات العامة الأساسية. وهناك أيضاً عشرات المنازل الآيلة للسقوط في القرية، مما يجل العيش فيها غير صحي أو آمن. [9]

في الختام، نجد أن غياب نظام ديمقراطي في البحرين، يجعل اقتراح قوانين وإجراءات والإعمال بالقوانين ذات الصلة ومحاسبة المصانع المخالفة، أمراً بالغ الصعوبة، إن لم يكن مستحيلاً. فبالرغم من عدم افتقار البحرين للقوانين البيئية، إلا أنها لا تطبق على أرض الواقع ويتم تجاهلها بشكل كبير وجلي. وكون المعامير من المناطق ذات الأغلبية المعارضة والمطالبة بالحقوق والإصلاح، يمكن أن يكون قد ساهم في تجاهل السلطات لها بشكل أكبر، ومساهمتها في تدهور وضعها. تتداخل الحقوق البيئية وحقوق الإنسان بشكل كبير، ودون ديمقراطية وتطبيق للحقوق الأساسية المكتسبة لا يمكن حماية البيئة والعكس أيضاً صحيح.

[1] http://www.ohchr.org/AR/Issues/Environment/SREnvironment/Pages/SRenvironmentIndex.aspx

[2] http://www.alwasatnews.com/news/1114280.html

[3] http://www.alwasatnews.com/news/373201.html

[4] http://www.alwasatnews.com/news/1074644.html

[5] http://www.alwasatnews.com/news/1074644.html

[6] http://www.alwasatnews.com/news/1074644.html

[7] http://www.alwasatnews.com/news/1074644.html

[8] http://www.alwasatnews.com/news/460054.html

[9] http://www.alwasatnews.com/news/599035.html