ممارسات السلطة المستمرة والمتعمدة لتضييق الخناق على “البدون” في السعودية

يرزح أكثر من ربع مليون شخص في السعودية ، من عديمي الجنسية أو (البدون)، تحت وطأة الحرمان المتعمد والكلي من جميع حقوق المواطنة، والتي تعتبر المدخل الأساسي في التمتع بمختلف الحقوق المدنية والسياسية والثقافية والإقتصادية والإجتماعية . ففي حين أن الجنسية بحد ذاتها هي حق أساسي لكل إنسان (الفقرة الأولى من المادة 15 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان )، وبه يضمن وضعاً قانونيا يجعله مستحقا لتلك الحقوق ، يقبع البدون في أسفل سلّم حقوق الإنسان المنتهكة  في المملكة العربية السعودية .

فهم يواجهون الإقصاء والتمييز في مختلف جوانب الحياة سواء على صعيد التعليم أو العمل أو التنقل أو الزواج أو الخدمات الطبية  لعدم حيازتهم أوراق ثبوتية أو بطاقات وطنية . حيث يولد الطفل من والد عديم الجنسية بدون شهادة ميلاد، ثم يكبر ليواجه  صعوبات في الالتحاق بالمدرسة وإذا أسعفه الحظ فقد يلتحق بإحدى الجامعات الخاصة ذات التكاليف الباهظة . أما بالنسبة للعمل فلا يسمح له العمل بالقطاع الحكومي  كما لايستطيع كثيرمن البدون العمل في القطاع الخاص، مما يضطرهم أحيانا لتقبل ظروف عمل أشبه بأعمال السخرة والإستعباد، وإذا قرر الزواج فإن زواجه لا يوثق في المحكمة بشكل رسمي ، كما لا يسمح له بالتملك أو بمزاولة أي نشاط  تجاري مهما كان بسيطا أو فتح حساب بنكي أو صرف شيك وغيرها ، وفي حالة الوفاة فإن المتوفى من هذه الفئة يحرم من حقه بالحصول على شهادة وفاة كما حُرم قبلها من أن يعيش حياة كريمة وبالتالي يتم رفض دفنه في المقابر المعتمدة .

إن من الإمتيازات التي تمنحها الدولة للمواطن السعودي والتي تحرمها لمواطنيها عديمي الجنسية تنسحب أيضًا على الرعاية الطبيىة ، حيث ترفض المستشفيات والوحدات الصحية الحكومية وحتى الخاصة علاجهم بسبب عدم حملهم أوراقا ثبوتية، مما يؤدي إلى مخاطر تواجههم  و خاصة النساء  أو المتزوجات من البدون، إذ تكون  ولاداتهن غير مسجلة في الوثائق الرسمية مما يمنعهن من الحصول على الخدمات الحكومية الأساسية مثل الرعاية الصحية، وقد يمنعن في كثير من الأحيان من الولادة في المستشفيات العامة، وهو ما يشكل خطرًا على حياة الأم والطفل.

إن التمييز التي تتعرض له المرأة البدون في السعودية ، يجعلها تعيش مشكلة مضاعفة عن تلك المشاكل التي تعيشها المراة السعودية في الأصل بسبب نظام الوصاية ، ففي مجتمع تفرض الدولة شرط ولاية الرجل على المرأة في مجالات متعددة ، يأتي حرمانها من الأوراق الثبوتية عاملًا إضافيًا ضاغطاً يجعل تمكنها من الزواج أو التعلم أو العمل أمرًا بالغ الصعوبة  . كذلك يمنع القانون المواطنة المتزوجة من رجل عديم الجنسية  أن تمنح جنسيتها لأولادها بينما يَسمح في المقابل للرجل من ذوي الجنسية والمتزوج من إمرأة عديمة الجنسية أن يمنحها لأولاده.

في ظل هذا الواقع المرير والذي تتفاقم تبعاته مع الزمن، يواجه شعب البدون مشاكل خطيرة في حقوق الإنسان لاسيما في ظل التعتيم التي تمارسه السلطات السعودية ، وغياب تقارير تتناول قضية البدون بشكل مفصّل ودقيق كباقي إنتهاكات حقوق الإنسان في السعودية، وهذا ما يدفع البعض منهم بمطالبات للحصول على حقهم في الجنسية أو إيجاد حلول أخرى تكون إما خطية عبر جهات رسمية أوشفهية علنية ، فتكون النتيجة التهمبش  في الأولى والإعتقال والقمع في الأخرى ، مما يدفعهم إلى أوضاع نفسية متأزمة، قد تقود البعض إلى الإنتحار كما حصل مع كل من محمد الحريصي و تركي العتيبي .

إن قمع الحريات وغياب المجتمع المدني الذي يكرسه نظام الحكم في السعودية ، لعب دورا سلبيًا  في إيصال مشكلة البدون إلى المجتمع الدولي وبالتالي في التوصل إلى إيجاد حلول جذرية ونهائية . فنجد أن القانون يمنع إنشاء جمعيات أو منظمات غير حكومية في مجال حقوق الإنسان ، وبالتالي يخسر المواطن البدون منبرًا يعمل معه على توثيق ورصد الإنتهاكات وبالتالي لإيصال محنته إلى المؤسسات الدولية . كذلك يواجه النشطاء والمدافعون عن حقوق الإنسان الإعتقالات التعسفية أو النفي عند مطالبتهم السلطات بتحمل مسؤولياتها في حماية حقوق الإنسان ورفع الإنتهاكات والحرمان  ويتعرض معظمهم  لمحاكمات غير عادلة تجعلهم يمضون سنوات عديدة داخل السجون .

تطور هذه الظاهرة المأساوية ، دفعت المنظمات الحقوقية في دول مجلس التعاون الخليجي ضمن الدورة 33 لمجلس حقوق الإنسان التي انعقدت في جنيف ، إلى إقامة ندوة في 15 سبتمبر 2016م ، بعنوان (البدون: مأزق عديمي الجنسية في الخليج)، حاولت تسليط الضوء على وضع فاقدي الجنسية في تلك الدول ولاسيما في السعودية مطالبين بممارسة ضغوط على السلطات لإيجاد حلول مناسبة وجذرية .

إن من السياسات التي تنتهجها السلطات في دول مجلس التعاون الخليجي  والتي تفاقم المشكلة بدلا من حلها هي اعتبار الجنسية امتيازًا يمنح من قبل الدولة وتجعلها مرتبطة بالولاء للحاكم ، وبهذه الحالة تمنح الدولة نفسها الحق في منح الجنسية كما في السعودية  أو سحبها عمن يخرج عن الطاعة وهذا ما يحدث في الدول المجاورة مثل قطر أو البحرين أو الإمارات .

لقد تمكنت عدة دول تصنف على أنها من الدول الفقيرة كبنغلادش  ونيبال وأوكرانيا وغيرها من إحراز تطورات هامة فيما يتعلق بحالات وجود عديمي جنسية على أراضيها، وفقاً لتقرير نشرته المفوضية العليا لشؤون اللاجئين ، والذي تحدث عن الممارسات التي اتبعتها هذه الدول: اعتماد إستراتيجية ذات رؤية واضحة، و توفير ميزانيات كافية لإجراء بحث شامل وحصر عديمي الجنسية، وإجراء إصلاحات قانونية فيما يخص قوانين الجنسية.

ولهذا ينبغي على السعودية  التي تعتبر نفسها من أكبر الدول المانحة للاجئين في العالم أن تجد حلا جذريا طويل الأمد لمعاناة أكثر من ربع مليون نسمة يعيشون ويخدمون على مدى أجيال على أراضيها، وذلك أسوة بمن سبقها في حل هذه المشكلة وإبعاد قضيتهم  عن الحسابات السياسية والقيام بخطوات تضمن لجميع السكان البدون من الحصول على المواطنة والتمتع بالحقوق المدنية والإجتماعية والسياسية .

 

الصورة : فوكس نيوز