ماذا بعد اعتراف السعودية المتأخر باستخدام القنابل العنقودية البريطانية في اليمن ؟!!

أقر التحالف العسكري الذي تقوده السعودية ،أخيرًا، في بيانٍ أصدره في 19ديسمبر 2016 أنه بالفعل استخدم القنابل العنقودية من طراز BL755 البريطانية الصنع في حربها على اليمن بين ديسمبر 2015 ويناير 2016 ، وهي الفترة التي استمر المسؤلوون السعوديون فيها بنفي استخدامها . وجاء هذا الإقراروالإعتراف المفاجئ  بعد اتهامات متكررة وتقارير موثقة نشرتها كل من لجنة الخبراء الأممية المعنية باليمن، ومنظمة العفو الدولية، وهيومان رايتس ووتش وغيرها من من المنظمات الحقوقية عن تورط السعودية في استخدام هذا السلاح العشوائي بطبيعته في الحرب التي تشنها على اليمن منذ مارس 2015 ، مؤكدة انتهاكها للقانون الدولي والإنساني ومطالبة بضرورة إجراء تحقيق دولي ومستقل لضمان محاسبة المسؤولين عن تلك الإنتهاكات .

أكد بيان التحالف الذي صدر عقب تحقيق سعودي  داخلي أجري بالتشاور مع الحكومة البريطانية ، أنه تم  وقف استعمال القنابل العنقودية البريطانية الصنع BL755 وتم إبلاغ حكومة المملكة البريطانية بذلك . جاء ذلك قبل يوم واحد من  بيان عن  وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون يخبر فيه مجلس العموم البريطاني  بأن قنابل عنقودية مصنعة في بريطانيا منذ سبعينات القرن الماضي ،استخدمت من قبل قوات التحالف التي تقودها السعودية، مبررًا أنه تم استخدام “عدد محدود منها”  وضد “أهداف عسكرية محددة” . هذا الإعتراف لم يجلب إلا الحرج والعاروهو ما دفع فالون إلى التصريح أيضًا أن مبيعات بريطانيا من الأسلحة للسعودية ودول الخليج ستخضع للمراجعة.  والسبب أن بريطانية هي من ضمن 119 دولة وقعت جميعها على اتفاقية القنابل العنقودية للعام 2008 والتي تحظرعليها استخدام وانتاج ونقل وتخزين هذا النوع من الأسلحة، كما وتلزم الاتفاقية الموقعين بالتخلص من جميع الذخائر العنقودية والعمل على منع استخدامها من قبل أي شخص آخر . وتعتبر بريطانيا شريك رئيسي في النزاع المشتعل في اليمن منذ قرابة العامين  كونها ثاني أكبر مصدر ومموّل للأسلحة التي تستخدمها السعوديةخلال عام   2015. كما وساندت السعودية في موقفها التي كررت فيه نفيها لاستخدام القنابل BL755 ، إذ  صدر تقرير برلماني مشترك في سبتمبر 2016 ذكر أنه ردا على تقرير العفو الدولية  حول انتشار القنابل العنقودية وما تسببته من إزهاق لأرواح العشرات من المدنيين  وخصوصا الأطفال ، فإن الحكومة البريطانية حصلت على ضمانات من الحكومة السعودية  بأن الذخائر العنقودية لم تستخدم في الصراع الدائر في اليمن.

وكان المتحدث  باسم القوات العسكرية للتحالف أحمد عسيري قد نفى بشكل قاطع في عدة مناسبات أبرزها في يناير 2016  مع شبكة CNN الأميركية  وفي نوفمبر من العام نفسه مع شبكة ITVالإخبارية أن تكون قوات التحالف الذي تقوده بلاده قد استخدمت ذخائر عنقودية بريطانية الصنع  من طراز BL755 في هجماتها  في أي مكان في اليمن. هذا النفي الحازم  كان أيضا موضوع المؤتمر الصحفي الذي دعا اليه سفير المملكة  في الأمم المتحدة  عبد الله المعلمي  والذي عقده  في مارس 2016 في غرفة مؤتمر الأمم المتحدة  ليعلن فيه : “نحن لا نستعمل القنابل العنقودية في اليمن ، ونقطة على السطر “!!

وكانت منظمة العفو الدولية  قد أكدت عن طريق بعثة لها إلى عدة مناطق شهدت نزاعا مسلحا ،أن قوات التحالف استخدمت في اليمن ذخائر عنقودية بريطانية الصنع من طراز (BL-755).  وتشكل الذخائر العنقودية، التي يَحْظُر استخدامها أكثر من 100 بلد في العالم، أخطاراً جسيمة على المدنيين؛ إذ عندما تلقى من الجو أو تقذف من الأرض، تنشطر وهي في منتصف الطريق بحيث تطلق ذخائر فرعية تنتشر على مسافة كبيرة، ولا يمكن أن تميز بين أهداف مدنية وأخرى عسكرية. والكثير من القنابل العنقودية لا تنفجر عند إطلاقها، وتصبح عمليا ألغاماً مضادة للأفراد. ولهذا، فإن هذه الذخائر الفرعية غير المنفجرة تنطوي على خطر مميت لعدة سنوات مقبلة، بحيث تشكل خطراً جسيماً على السكان المدنيين، سواء خلال النزاع أو ما بعد النزاع. ونظراً إلى أن الذخائر العنقودية تعتبر أسلحة عشوائية بطبيعتها، فإنه لا يمكن استخدامها تحت أي ظرف من الظروف.

وقد لفت تقرير العفو الدولية الذي غطى مواقع النزاع بإن أثر العدد الكبير من الذخائر وارتفاع معدلات انفجارها لم يقتصر على القتل والتشويه فحسب، بل امتد إلى إلحاق أضرار بالغة بسُبل العيش، حيث نفقت أعداد من الماشية وأصبحت الأراضي الزراعية بمثابة حقول ألغام في واقع الأمر، كما تضررت أعمال رعي الماشية وحصاد معظم المحاصيل الزراعية .

وفي معرض تبرير استخدامها للقنابل العنقودية ، أكدت السعودية في البيان أنه كونها  وجميع دول التحالف ليسوا أعضاءً في اتفاقية القنابل العنقودية ،فبالتالي إن استخدامها  لهذا النوع من الذخائر لا يعد مخالفاً لأحكام القانون الدولي. بينما  تتجاهل في المقابل أنه بموجب القانون الدولي الإنساني العرفي يتوجب عليها ألا تستخدم أسلحة تتسم بالعشوائية بحكم طبيعتها وبالتالي تشكل خطرًا دائما على المدنيين .

كما أنها رفضت بدايةً ما وثقته  كل من لجنة الخبراء الأممية المعنية باليمن، ومنظمة العفو الدولية، وهيومان رايتس ووتش، عن هجمات عشوائية وغير متناسبة أدت إلى مصرع مدنيين، في انتهاكٍ للقانون الدولي الإنساني ، وعن استخدام التحالف المتكرر للذخائر العنقودية المحرمة دوليًا، مما تسبب في إيقاع إصابات بين المدنيين وفرض تهديدًا فوريًا وكذلك طويل الأمد على المدنيين، في شكل ذخائر غير منفجرة.

إن النزاع المسلح الذي تشهده اليمن منذ قرابة العامين والذي أوقع أكثر من سبعة آلاف قتيل ونحو 37ألف جريح والذي تسبب في تدهور الأوضاع الإنسانية والصحية بشكل كبير لنحو 26مليون يمني وحرم أكثر من ثلثي السكان من الحصول على الغذاء اللازم والعناية الطبية ، لم تجد فيه السعودية حتى الآن أي انتهاك لحقوق الإنسان أو للقانون الدولي !! لاسيما أن مفوضية الأمم المتحدة العليا لحقوق الإنسان قد أعلنت في شهر آذار/مارس من العام الجاري، أن التحالف العربي بقيادة السعودية،  تسبب في الغالبية العظمى من القتلى المدنيين، وقال المفوض الأعلى للمفوضية “زيد بن رعد الحسين”، إن التحالف يتحمل أكبر قدر من المسؤولية في وقوع ضحايا مدنيين، وقال “بالنظر إلى الأرقام يبدو أن التحالف مسؤول عن مقتل ضعف عدد المدنيين مقارنة مع جميع القوى الأخرى مجتمعة، وجميعها بسبب عمليات القصف الجوي”.

 هذا النفي المتكرر والقاطع في المحافل الدولية  لاستخدام القنابل البريطانية الصنع والمحظورة في أكثر من 100دولة، ليتبين لاحقًا حصول العكس تمامًا ، يجعل من السعودية طرفًا غير جدير بالثقة.  فبحسب صحيفة الغارديان البريطانية زادت المطالبات من الحكومة البريطانية أن تعيد النظر في صادراتها من الأسلحة إلى المملكة السعودية ، خاصة بعد أن علقت الولايات المتحدة قبل أسبوعين بيع أسلحة بقيمة حوالي 400 مليون دولار للسعودية بسبب مخاوف بشأن ارتفاع عدد الضحايا المدنيين في اليمن.

في ظل هذه  التطورات التي ترافق سلسلة من الانتهاكات الخطرة للحق الإنساني وحقوق ألإنسان ومن ضمنها جرائم حرب ، نضم صوتنا إلى المطالبات التي تدعو إلى دعم آلية دولية مستقلة، وذات مصداقية، للتحقيق في مزاعم ارتكاب انتهاكات خطيرة للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان ، في اليمن، خاصة مع الحرص على ضمان توفير الإنصاف والتعويض لضحايا الانتهاكات، وتقديم المتهمين بارتكاب الجرائم إلى محاكمات عادلة.

الصورة: الغارديان