حملات واسعة عبر وسائل التواصل تعكس عزيمة السعوديات الجاد لإسقاط نظام الولاية

لما يزيد عن الستة أشهر ، ومن دون انقطاع ، تشهد مختلف وسائل التواصل الإجتماعي حملات واسعة تتطالب بإسقاط نظام الولاية في المملكة العربية السعودية . وأصبحت كل من اليوتيوب والتويتر والصحف الإلكترونية وغيرها مساحات افتراضية تضج بالعديد من الفيديوهات والمقاطع الصوتية فضلا عن المواد المكتوبة  والتي تنشرمعاناة المرأة السعودية  جراء هذا النظام وتفرد صفحاتها لتسلط الضوء على أهم المطالب والحلول للتخلص منه . وأخذت شهادات النساء اللواتي تضررن بسببه ترى النورأخيرًا. أكثر الوسائل نشاطا كانت تويتر وذلك عبر عدة وسوم أجنبية وعربية ، جميعها ركزت على ضرورة اسقاط الولاية ورفض هذا النظام جملة وتفصيلا .استلهمت هذه الوسوم فكرتها من الوسم الذي اطلقته منظمة هيومن رايتس ووتش بالانكليزية وهو مازال نشطًا حتى الآن TogetherToEndMaleGuardianship#. وقد أطلقته بعد نشرها تقريرا في 16 يوليو 2016 تحت عنوان  “كمن يعيش في صندوق: المرأة ونظام ولاية الرجل في السعودية”، اعتبرت فيه أن المرأة هي أسيرة نظام ولاية الرجل في السعودية ، كونه نظامًا يُقيّد حرية التنقل والعمل والصحة والسلامة.

بعد نجاح الوسم الأجنبي أُطلق أيضا وسم عربي ” سعوديات_نطالب_باسقاط_الولاية” ، حاليًا هو من أكثر الوسوم إثارة للجدل في السعودية، ودخل قائمة أكثر الوسوم استخداما فيها أكثر من مرة. وقد ألحق به عدد يشير إلى عدد الأيام التي مضى على إطلاقه ، وصل العدد حتى الآن إلى 190.  نال كلا الوسمين العربي والأجنبي استقطابا كبيرا من المستخدمين سواء من الداخل السعودي وحتى من الخارج ، حيث بلغت عدد التغريدات بعد شهر واحد فقط من اطلاقه أكثر من 170,000 تغريدة. كلها تدور في فلك تشجيع  المرأة السعودية للمطالبة بحقوقها من جهة ، واظهار الغضب العارم من نظام الولاية الذكوري من جهة أخرى .

وحالياً ما تزال المرأة في السعودية ناقصة الأهلية كمواطنة ، مهما بلغ عمرها، ووفقًا لنظام الولاية فهي بحاجة لموافقة ولي امرها لممارسة أبسط حقوقها في الرعاية الصحية والعمل والتعليم والزواج . ولا يمكنها السفر ومغادرة السجن بعد انتهاء محكوميتها إلا بتصريح موقع منه، وهو الذي له سلطة اتخاذ العديد من القرارات الهامة مكانها. وقد يكون ولي أمرها في النظام هو الأب، الأخ أو الزوج أو حتى الإبن في بعض الحالات . وبموجب نظام الولاية المكرس مؤسساتيا منذ عام 1981، تعتبر المرأة قاصرة قانونيا طيلة حياتها، مما يسلبها حقها الإنساني المعترف به في مختلف التشريعات والقوانين الوضعية والدولية .وقد وافقت الحكومة السعودية على التوصيات المقدمة من مختلف الدول في المراجعات الدورية الخاصة بها في العامين 2009 و2013، والمطالبة بإلغاء هذا النظام . كما انضمت السعودية إلى “اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة” (سيداو) عام 2000. المملكة عضو في منظمة العمل الدولية وهي منذ مايو 2013 ، طرف في اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم111بشأن مناهضة التمييز ، وبالتالي هي مُلزمة قانونيا بتطبيق تعهداتها والتزاماتها الدولية للوصول إلى القضاء بشكل كامل على التمييز ضدّ المرأة وإلغاء نظام ولاية الرجل.

ولكن رغم مروركل هذه السنوات على التوصيات والاتفاقيات، يصدر تقرير في أكتوبر 2016 عن “معهد ماكنزي ” يظهر أن السعودية تحتل المرتبة الأولى في قائمة الدول الـ10 التي تنعدم فيها “المساواة بين الجنسين”. أما نظام الولاية فيبقى على حاله . وأما السلطات الرسمية فتعتبر أنها قامت بخطوات إصلاحية في مجال المرأة ، كالسماح لها في عضوية مجلس الشورى عام 2013 وعضوية المجالس البلدية الحالية عام 2015، وهو ما تكرره باستمرارفي المحافل والمؤتمرات الدولية والمحلية ، ورغم أن لكلا المجلسين دورا محدودًا لايتعدى كونه استشاريا في أفضل الأحوال ، تواجه المرأة فيهما العديد من الحواجز المرتبطة بنظام ولاية . فليس من المسموح بعد أن تقود سيارتها بنفسها ، ولا بسمح للفائزات في الانتخابات البلدية الأخيرة الجلوس إلى جانب زملائهن في المجلس البلدي بل بقاعات منفصلة بعيدة .المادة 107 من اللائحة التنفيذية لنظام المجالس البلدية التي أصدرتها الحكومة بداية عام 2016 حددت فيها مشاركة المرأة في المجلس وجعلتها في مكان مستقل أثناء اللقاءات وورش العمل ، فكان حضور النساء عبر الفيديو فقط. كما أشارت إلى تأمين سيارة تنقلهن خلال الزيارات الميدانية .  عقب هذا القرار، قررت عضوة في أحد المجالس الاستقالة.

ورغم أن المطالبات بإلغاء نظام الولاية، كانت في الواقع قد بدأت منذ خمسة أعوام من دون الحصول على أي رد رسمي، انطلقت الناشطات السعوديات مجددًا وأقمن تحركات في عدة اتجاهات . أجرؤها الدعوة عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى التوقيع على عريضة تقدم للملك ، تتألف من 15 مطلبا ، كلها تقود إلى إنهاء نظام ولاية الرجل .جمعت الحملة أكثر من 30 ألف توقيع ولكن 14700 منها كان بأسماء ثلاثية حقيقية وواضحة . رفعت العريضة إحدى أبرز الرائدات في الدفاع عن حقوق المرأة عزيزة اليوسف، مذيلة بالتواقيع إلى الديوان المملكي ، السلطة الحقيقية والمباشرة لإصدار القوانين والقرارات .لم تتلق حتى الآن أي جواب .

على صعيد آخر يكفي إدخال جملة حملة اسقاط الولاية لتطالعك جميع المواقع الإلكترونية بمواد إما مكتوبة أو مصورة. فيها الهزلي الساخر من الواقع المؤلم كحال الفيديو الذي انتشر مؤخرا عبر اليوتيوب وحصد منذ اطلاقه في 23 ديسمبر الماضي أكثر من 3 مليون مشاهد ،   ومنها الجاد ببنود ونقاط محددة من المطالبات والتي لا نية للرجوع فيها . أما السواد الأعظم فهي تلك الشهادات التي جادت بها المشاركات بهذه الحملة، واضعةً الإصبع على الجرح ، ومؤكدةً أن المرحلة لم تعد قابلة للحوار بل تتطلب قرارا رسميا بمنحها حقوقها كمواطنة .

لم يسلم العديد ممن شاركن بهذه الحملة من حملات مضادة عملت جاهدة إما على تخوينهن أو إزدراء مطالبهن أو إيقافهن ، واتهم العديد منهن بوجود أيادي خارجية تحركهن . إذ وصف مفتي المملكة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ هذه الحملة “بالجريمة” ، وقامت السلطات بالغاء ندوة كانت ستقام للتحدث عن اسقاط الولاية قبل يوم واحد من انعقادها. وكانت ديوانية الملتقى الثقافي قد أعلنت عن إقامة ندوة في 24نوفمبر2016 تتحدث فيها رائدات ومدافعات في المجال النسوي ، عن اسقاط الولاية وعن تاريخ مطالبات المرأة السعودية . شمل الحملة المضادة هذه أيضًا كل من يدعم أو يناصر هذه القضية . وقد وصل الأمر إلى أن قامت السلطات باعتقال شاب تضامن مع الحملة بإلصاق بعض المنشورات التي تدعو إلى اسقاط هذا النظام ، على جدران بعض المساجد، وحكمت المحكمة الجزائية في ال27 ديسمبر 2016 بسجنه عاما وتغريمه 30 ألف ريال بعد إدانته  بالتحريض في موقع «تويتر» على إسقاط الولاية عن المرأة. واعتبرت المحكمة فعل المتهم مخالفة لنظام مكافحة الجرائم المعلوماتية.وقد أوضح المتهم في دفاعه أنه قام بذلك تضامنا مع قريبات له يواجهن الظلم من أقربائهن وأراد أن يطالب بمساواة حقوقهن مع حقوق الرجل .

في المقابل ، برزت بعض التصريحات للعديد من المسؤولين وفي صحف مختلفة غربية ورسمية للدولة تتحدث عن حق المرأة في أن تكون ولية نفسها، أولها جاء في حديث ولي ولي العهد الأميرمحمد بن سلمان مع الإيكونمست في مطلع العام 2016 معتبرا ” أنهن مسؤولات عن أنفسهن”  وهو بالتحديد ما أكده عضو هيئة كبار العلماء عبد الله المنيع لصحيفة عكاظ و أضاف أن لها مثل ما للرجل من حقوق،  إلا أنها في الواقع وحتى الآن مازالت لا تستطيع استصدار جواز سفر خاص بها ولا السفر بمفردها من دون موافقة ولي أمرها. كما أنها ممنوعة من قيادة السيارة رغم أنه لم يعد هناك أي مبرر اجتماعي أو ديني له باعتراف عضو مجلس الشورى الدكتورة لطيفة الشعلان . وإذا كانت  الحكومة لم تعد تشترط حصول المرأة على تصريح من وليّ أمرها لتعمل، لكنها أيضا لا تعاقب أصحاب الأعمال الذين اعتادوا فرض هذا التصريح.  وكذلك الأمر بالنسبة لحصولها على الرعاية الصحية فمع عدم اشتراط موافقة ولي ألأمر على تلقيها العناية الطبية والخضوع للعمليات الجراحية لا تُعاقَب المستشفيات التي مازالت تشترط ذلك. وتظل المرأة التي أنهت مدة محكوميتها قابعة في السجن في حال رفض الولي التوقيع على استلامها . وتظل  المواطنه البالغه قانونيا بحاجة إلى “صكوك” من المحكمه تثبت أهليتها ليتم التعامل معها رغم قرار استبدال المعرفين من المحارم بالبصمة الالكترونية .

بقاء هذا الواقع المريرالذي تعيشه المرأة في السعودية على حاله يعتبرمن المحال حسب ناشطات في مجال حقوق المرأة ، والفضل في أي تغيير وتطور سيطرأ على وضع المرأة سيكون بفضل استمرارية هذه الحملات النسوية ، إن عبر الواقع الإفتراضي المتاح نسبيا أو الواقع الحقيقي الذي يشهد عادة تعطيل وإلغاء.

الصورة : فرانس 24