سجن جاو: تعسّفٌ،عنفٌ وتعذيبٌ مستمر ….إلى متى؟!

ما زال سجن جاو يشهد حتى الآن ممارسات السلطة التعسفية والقمعية بحق السجناء والمعتقلين. ولا يزال المعتقلون يتعرضون إلى الضرب والتعذيب والإساءة وسوء المعاملة والحرمان من أبسط حقوقهم، مما أحدث اضطرابات داخل السجن بسبب الانتهاكات المنافية لحقوق الإنسان. وقد ذكرت عدة منظمات دولية في تقارير لها الانتهاكات وسوء المعاملة المستمر داخل السجن، وأظهرت شهادات وأقوال عائدة للمساجين وأيضاً صور أخذت من داخل السجن التي تثبت تعسف السلطة وقمعيتها.

ففي ظل التظاهرات التي اجتاحت البحرين في مطلع العام 2011، قامت السلطات البحرينية بقمع المتظاهرين واستخدام القوة معهم، ما أدى إلى مقتل العديد منهم واعتقال العشرات. طالت الاعتقالات حتى اشخاص لا علاقة لهم بهذه التظاهرات واقتادتهم من منازلهم، وأماكن عملهم وعلى نقاط التفتيش. وتم نقل بعضهم الى أماكن مجهولة، حيث عزلوا عن العالم الخارجي. الجدير بالذكر أنه كان يتم إلقاء القبض على المحتجين في منازلهم على يد رجال مقنعين ومسلحين، بعضهم في ملابس مدنية دون تقديم أي تصريح.

منذ لحظة الاعتقال خضع المعتقلون الى الاستجواب والتحقيق على يد من يُسمون مدعين عامين. تعرضوا للممارسات وانتهاكات وتعذيب وانتهاك جسدي ونفسي.

حكم على العشرات منهم بالسجن، وأدخل معظم الموقوفين إلى سجن جاو المركزي. هذا السجن شهد ولايزال يشهد تعرض المعتقلون فيه إلى أبشع أنواع العنف الجسدي والنفسي من ضرب مبرح على كامل أعضاء الجسم  وصعق بالكهرباء على الأماكن الحساسة  إلى الشتائم والتحقير والحط من الكرامة الإنسانية والتهديد اللفظي وصولا إلى التحرش الجنسي للمعتقلين والتهديد بذلك لأفراد أسرهم. وقد تعددت الحالات والافادات التي قدمها العديد من المعتقلين السابقين للمنظمات الحقوقية التي تشير الى انهم تعرضوا الى نفس أنواع الانتهاكات الجسدية.

لم تقتصر الانتهاكات على ذلك بل تم حرمانهم من العلاج والرعاية الصحية والنظافة، حيث تبرز تعسف السلطات والانتهاكات الواسعة والعديدة التي ترتكبها. وقد منعت العديد من العائلات من الزيارة وحتى من الاتصال أو تم التقليص من وقتها. وأما في حال سُمح لهم بالزيارة فقد فرض عليهم شتى أنواع التفتيش من خلع لكامل الملابس والحذاء ، والتأخير المتعمد والاذلال ، إضافة لتقليل مدة الزيارة إلى نصف المدة الذي كانت عليه . كل ذلك ولم تنتهِ فصول الاضطهاد الذي يتعرض له أهالي المعتقلين . فالزيارة لا تتم إلا بوجود زجاج فاصل يمنع أي اتصال جسدي بينهم وبين ولدهم ومنع أن تحتضن الأم ولدها خلال تلك الدقائق المعدودة ، وزاد من حرمان المعتقل من أبسط حقوقه في احتضان طفله أو طيع قبلة على رأس والديه أو زوجته . وقد تم التضييق عليهم في حقهم في المأكل والملبس والاستحمام، وتمت مصادرة امور خاصة بهم من ملابس ومأكولات اشتروها أو كتب ودفاتر دونوا عليها.

فقد ذكرت في 2 يونيو 2016، كل من منظمة أميركيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين (ADHRB)، معهد البحرين للحقوق والديمقراطية (BIRD) ومركز البحرين لحقوق الإنسان (BCHR) في تقرير لها صدر مع اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب، ان السلطات تواصل إهانة وتعذيب النفسي والجسدي وإساءة معاملة السجناء ومنع الرعاية الطبية في سجن جاو.

وقد اجرت منظمة العفو الدولية مقابلات مع ضحايا الانتهاكات، وأصدرت تقريرا في أبريل/نيسان 2015 تحدثت فيه عن أساليب التعذيب وسوء المعاملة من الضرب الشديد، واللكم، واستخدام الصدمات الكهربائية، ووضع الأشخاص في دراجات حرارة باردة أو حارة جدا، والوقوف لفترات مطولة، والحرمان من النوم، والإساءات والإهانة.

وفي مايو/أيار 2015، أصدر قسم الحريات وحقوق الإنسان في الوفاق، أكبر جمعية سياسية مسجلة في البلاد، تقريرا يذكر 290 حالة قال إنها تعرضت للتعذيب منها الصفع واللكم والركل والضرب بالخراطيم والصدمات الكهربائية والاغتصاب وتعريض المحتجزين إلى درجات حرارة باردة جدا والإجبار على الوقوف والتعليق من الرجلين والتهديد بالاغتصاب.

وطالبت عدة منظمات  الصليب الأحمر الدولي بزيارة عاجلة للسجون البحرينية للوقوف على أوضاعها, وطالبت الحكومة البحرينية احترام المواثيق الدولية وأهمها اتفاقية مناهضة التعذيب, اذ ذكرت ان أكثر من 4000 مواطنا تعرضوا  للتعذيب أو إساءة المعاملة والحط من الكرامة الإنسانية, ناهيك عن استمرار حالات التفتيش المهينة ومصادرة الأغراض الشخصية الخاصة وارتكاب العديد من التجاوزات بحق السجناء وحرمانهم من الحقوق الأساسية.

  • في 23 مايو 2012، اقتادت الشرطة “حسين علي سهلاوي” إلى سجن جاو، تعرض هناك إلى التعذيب الوحشي وإلى معاملة مهينة ولم يتوقف العنف الجسدي الشديد بعد فترة الاحتجاز ولكنه استمر على مر السنين. ففي أوائل عام 2015، على سبيل المثال، ضربه الحراس في سجن جاو بشدة لدرجة أنه كان يحتاج إلى غرز فوق العين وتحتها.
  • وذكرت منظمة ADHRB، ان “أحمد محمد العرب“، محتجز حالياً في سجن جاو في البحرين، اعتقلته قوات الأمن في 9 يناير 2014، انه تعرض للتعذيب والإهانة والتهديد مما أضر بصحته، وقد تعرض إلى اصابات متعددة وللعنف المستمر.
  • حالة “سلمان عيسى سلمان” التي ادانته المحكمة البحرينية بالإرهاب وحكم عليه بالإعدام وهو محتجز في سجن جاو بانتظار تنفيذ حكم الإعدام، فقد تعرض سلمان إلى الاعتداء على يد حراس السجن ومنع من الصلاة وقراءة القرآن، وقد أفاد بعض الشهود أنهم رأوا رضوضا على وجهه وظهره وأن أذنه كانت متورمة وأنه فقد سماعه جزئياً.
  • صادق سيد علي علوي“، حكم عليه في 3 تموز 2017 بالسجن مدى الحياة، وقد تعرض للتعذيب والضرب، واحتجز في سجن انفرادي ل-9 أيام، تعرض إلى الإيذاء ما أدى إلى مشاكل صحية، وقد عانى من الفتاق أثناء الضرب وكانت حالته تتطلب جراحة لكن السلطات رفضت، وقد عانى ايضا من البواسير. وبعد الإفراج عنه من الحبس الانفرادي، تم فحصه في المستشفى العسكري وقد وصفة له نظام غذائي معين إلا أن إدارة السجن تجاهلت هذا الأمر وبقيت على إعطاء صادق نفس نوعية الطعام الرديء المقدم للجميع في السجن. كما وُصف لصادق مضادات حيوية ومضادات للالتهابات وغيرها من الأدوية، لكن لم يتم توفير أي منها في سجن جاو بل كانت عائلته تُحضر له المسكنات.

في ظل كل هذه الانتهاكات التي يتعرض لها المعتقلون في السجن، شهد سجن جاو المركزي اضطرابات وقعت في السجن يوم 10 مارس 2015 ضد الظروف السيئة وسوء المعاملة والاهانة التي يتعرض لها المعتقلون، ولكن قامت القوات البحرينية على أثرها باستخدام العنف والقوة المفرطة وبإساءة معاملة سجناء في أعقاب ذلك. وقد استمر استخدام العنف حتى بعد السيطرة على الزنزانات التي شهدت أعمال الشغب.

  • قال “إ. ك “ل هيومن رايتس ووتش ان أحد السجناء قام باستخدام هاتفا مهربا والتقط ما لا يقل عن 5 صور انتشرت بعد ذلك على شبكة الانترنت، أظهرت 3 منها سجناء مصابين بجروح على ما يبدو بسبب القنابل الصوتية أو قنابل الغاز المسيل للدموع التي أطلقتها الشرطة في 10 مارس/آذار.

 

  • فقد ذكرت منظمة ADHRB انه بعد احداث 10 مارس، ان “أحمد محمد العرب” وآخرون تعرضوا للتعذيب باستعمال الصدمات الكهربائية وضربهم بالعصي والهراوات الخشبية. رفض مسؤولو السجن تزويد أحمد بالمعالجة الطبية لضربة تعرض لها في الرأس. وقد تم قطع الاتصال بين أحمد وأسرته لكن عندما رأته أسرته بعد فترة كان نحيلاً وأجبر على ارتداء زي سجن شتوي لتغطية الكدمات التي تلقاها من الضرب. وفي أعقاب أعمال الشغب، رفض مسؤولو السجن السماح للسجناء بالاستحمام أو تغيير ملابسهم، في حين أُجبر أحمد على النوم خارجا على فراش مشترك مع خمسة سجناء آخرين.

 

  • في الآونة الأخيرة، تعرض أحمد للإهانة من قبل إدارة السجن. وقد أُلغي إذنه بالذهاب إلى مقصف السجن. الوصول إلى المقصف هو حاجة ماسة للسجناء في البحرين، حيث أن إدارة جاو لا توفّر الضروريات الأساسية مثل الصابون، ورق المرحاض، أو البطانيات، ويضطر السجناء شراء مثل هذه المواد أنفسهم. وكثيرا ما يكون الغذاء والماء الذي يوفره السجن غير قابل للاستهلاك، مما يجبر السجناء على شراء وجباتهم والمياه المعبأة من المقصف. خُفّض الوقت اليومي الذي يُسمح فيه لأحمد خارج زنزانته إلى نصف الوقت المسموح لسجناء آخرين. وعندما توفّي عمه، الذي كان أحمد مقرّباً جدّاً منه، رفضت إدارة جاو طلب أحمد رؤية أسرته بعدم الرد على عرضيته، حتى بعد انتهاء الجنازة. كما يقوم الحراس بتأخير الزيارات العائلية، ويبقون في الغرفة أثناء الزيارة.

هذه الصورة  التي تحمل العديد من أوجه الانتهاكات ضجت بها وسائل الاعلام والمنظمات الحقوقية العالمية، حيث ادانت المنظمات الحقوقية انتهاكات وتصرفات السلطات البحرينية بحق المعتقلين.

 في إطار أخر، نقلت بعض شاشات التلفزة قيام  تلفزيون البحرين بزيارة سجن جاو المركزي لتلميع صورة السجن . وقام ضباط السجن بإخراج المعتقلين من زنازينهم وتوزيعهم على زنازين المعتقلين الأجانب وأظهروا مقابلات مع المعتقلين تروّج لحسن تعامل إدارة السجن وحرصها على تطوير وإصلاح أوضاع المعتقلين . كل ذلك بعد انتشار الفضائح حوله وتكاثر المعتقلين فيه.

 إن السلطات البحرانية بكل أفعالها تنتهك القوانين المحلية والمعاهدات الدولية التي هي من الدول المشاركة والموقعة عليها.

القانون البحريني: كما تنص على ذلك الاتفاقيات الدولية، تبنت البحرين تشريعات تحظر التعذيب ينص الدستور البحريني على أن “لا يعرّض أي إنسان للتعذيب المادي أو المعنوي، أو للإغراء، أو للمعاملة الحاطة بالكرامة” و”يبطل كل قول أو اعتراف يثبت صدوره تحت وطأة التعذيب أو بالإغراء أو لتلك المعاملة أو التهديد بأي منها

كما يُجرّم قانون العقوبات البحريني استخدام “التعذيب أو القوة أو التهديد بنفسه [الموظف] أو بواسطة غيره مع متهم أو شاهد أو خبير لحمله على الاعتراف بجريمة أو على الادلاء بأقوال أو معلومات بشأنها.”

العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية: صادقت البحرين على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في 20 سبتمبر/أيلول 2006. ينص العهد على أنه ” لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة”. كما يجب أن ” يعامل جميع المحرومين من حريتهم معاملة إنسانية، تحترم الكرامة الأصيلة في الشخص الإنساني.” وينص العهد أيضا على أن تبذل الدولة جهودا “لاحترام الحقوق المعترف بها فيه [العهد]… لجميع الأفراد… دون أي تمييز

الميثاق العربي لحقوق الإنسان: انضمت البحرين إلى الميثاق العربي في 2006، ودخلت الاتفاقية حيز التنفيذ في 15 مارس/آذار 2008. فيما يتعلق بالتعذيب وسوء المعاملة، يعكس الميثاق مضمون العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وينص على أنه “يحظر تعذيب أي شخص بدنيا أو نفسيا أو معاملته معاملة قاسية أو مهينة أو حاطة بالكرامة أو غير إنسانية”. كما يُلزم الميثاق الدول الأعضاء بتجريم هذه الأعمال، وضمان التعويض القانوني وإعادة التأهيل والتعويض لضحايا التعذيب وينص الميثاق أيضا على أن يعامل جميع الأشخاص المحرومين من حريتهم معاملة إنسانية تحترم الكرامة المتأصلة في الإنسان”.

إن سلطات البحرين تنتهك بوضوح بنود المعاهدات والاتفاقيات المشاركة فيها، ويجب عليها مراجعة نفسها والالتزام في تطبيق هذه المعاهدات.