ملفات الاضطهاد: محمد حميد الدقاق

محدّث: اعتُقل المواطن البحريني محمد حميد الدقاق، عندما كان يبلغ من العمر 23 عامًا بشكل تعسفي بالقرب من منزله. تعرض للتعذيب والاختفاء القسري والسجن الانفرادي والإهمال الطبي وللمحاكمة غير العادلة وسوء المعاملة خلال مدّة احتجازه، وهو يقضي حاليًا عقوبة السجن 19 عاما بتهم سياسية. ويعاني محمد من العديد من الأمراض، أبرزها فقر الدم المنجلي (السكلر) والألم المرافق له، وبسبب حرمانه المستمر منذ سنوات من الرعاية الصحية في سجن جو، أدى ذلك الى زيادة معاناته والوصول الى مرحلة الخطر الشديد من المرض. في 4 مارس 2019، أصدر فريق الأمم المتحدة العامل المعني بالاحتجاز التعسفي رأياً اعتبر فيه احتجاز محمد تعسفياً، مطالبًا حكومة البحرين بالإفراج الفوري عنه، وإلغاء جميع سجلاته الجنائية، ومنحه التعويضات اللازمة. كما نشرت أربعة من مكاتب الإجراءات الخاصة التابعة للأمم المتحدة في 18 سبتمبر 2019 رسالة ادعاء إلى حكومة البحرين بشأن حرمان محمد من الرعاية الطبية الكافية، معربة عن قلقها تجاه مزاعم تعذيبه وسوء معاملته وتدهور حالته الصحية وحرمانه من الرعاية الصحية المناسبة والانتقام منه لقيامه بالاحتجاج السلمي داخل السجن.

في 5 يناير 2015 احتجزت قوات الشغب محمد بالقرب من منزله محمد دون تقديم أمر قبض. أخذ الضباط محمد إلى مركز شرطة الحورة بعد اعتقاله، حيث احتجزوه في الحبس الإنفرادي لمدة يومين. سمحوا له في اليوم الثاني بالاتصال بعائلته، ولم يتم عرضه أمام قاض خلال 48 ساعة من توقيفه.

نقل الضباط محمد إلى سجن الحوض الجاف بعد يومه الثالث في المركز، وبعد 45 يوماً، نقلته السلطات إلى سجن جو. تعرض محمد لأشكال مختلفة من التعذيب من قبل الحراس أثناء وجوده في سجن جو. أطلقوا عليه لقب “الرجل الجديد”، وجعلوه مسؤولاً عن تنظيف المراحيض كوسيلة للعقاب. قام حراس السجن بضربه وإهانته بوحشية، بما في ذلك حلق نصف رأسه وشعر الوجه. جردوه من ملابسه وسكبوا عليه الماء البارد، وتركوه في الهواء البارد. أجبر الحراس محمد على الزحف في بركة من المياه الملوثة بالفضلات البشرية، بالتناوب بين جعله يزحف إلى أحد أطراف الغرفة ثم سحبه من ساقيه إلى الطرف الآخر قبل أن يجبروه على الزحف مرة أخرى.

وكان في 5 مارس 2014، أي قبل اعتقاله، قد حُكم على محمد غيابياً بالسجن لمدة خمس سنوات بتهمة افتعال حريق متعمّد، وتعريض وسيلة نقل خاصّة إلى الخطر عمداً. وفي 19 مارس 2015، حُكم عليه بالسجن لمدة ستة أشهر بتهم التجمهر وإثارة الشغب وحيازة مواد قابلة للاشتعال والمتفجرة. وفي 7 مايو 2015، حكم عليه بتهمة الفرار من السجن، وفي 22 نوفمبر 2015، حُكم عليه بتهمة الحرق العمد والتجمع الجنائي. وبلغ مجموع عقوبته 21 عامًا، قبل تخفيضها إلى 19 عاما بعد الاستئناف. واستندت محاكمته على الأدلة التي انتزعت منه تحت التعذيب، وحُرم من الاستعانة بمحام خلال فترة الاستجواب.

تجاهلت سلطات السجن باستمرار حق محمد بتلقي العلاج لحالته الصحية. يعاني محمد من فقر الدم المنجلي (السكلر) ومن مرض جلدي. ولد محمد بكلية واحدة، وبسبب الألم الذي ينبع من فقر الدم المنجلي، اضطرّ الخضوع لجراحة استئصال الطحال. تتطلب حالة محمد الصحية أن يأخذ الدواء طيلة حياته، لكن السلطات حرمته من الدواء منذ اعتقاله رغم خطورة وضعه.

عانى محمد من نوبات الألم مرات متعددة في السجن. يتأخر الحراس في نقله إلى العيادة، وذلك إن أخذوه على الإطلاق. وقد رفضت السلطات أخذ محمد لإجراء الفحوصات الدورية المطلوبة لحالته، وما زالت تمنعه من الحصول  على الدواء المناسب لعلاجه. أدى هذا الإهمال إلى إدخاله المستشفى لمدة 45 يومًا في مرتين مختلفتين عامي 2016 و2018.

في أبريل 2018، تسبب الإهمال الطبي لحالة محمد بانتكاستين صحيتين، عانى خلالهما من آلام شديدة. وفي المرتين تعرض لمعاملة سيئة من قبل الطاقم الطبي، بما في ذلك حرمانه من الدواء (مع اتهامه بالإدمان على الدواء) وصفعه على وجهه. قدم الأطباء لمحمد في المرتين، مسكنات الألم منخفضة الجودة، ولم  يمنح أدوية لعلاج فقر الدم المنجلي.

عانى محمد أيضًا عام 2018 من مرض جلدي على معصميه بسبب قيام  الحراس بتقييده بشدة، وتفاقم وضعه نتيجة الظروف غير الصحية في سجن جو. كما عانى من التهاب في الأسنان ناتج عن خلع ضرس العقل تحت مخدّر موضعي، إذ لم يتم إعطاؤه أي مسكنات أو مضادات حيوية بعد العملية، وبعد أكثر من أسبوع من آلام الأسنان أصيب بتورم كامل في الوجه والتهاب شديد، مما أدى إلى إصابته بنوبة ألم شديدة ناتجة عن مرض السكلر. وبعد مماطلة طويلة، تم نقله إلى مستشفى السلمانية بعد 12 ساعة من إصابته بنوبة الألم، حيث أعطاه الطبيب دواءً يؤخذ عن طريق الفم عقابًا له بعد أن شكا له من شدة الألم الذي يعاني منه، وقام طبيب آخر بضربه.

منع العاملون في المجال الطبي وسلطات السجون محمد من تلقي العلاج المناسب لهذه الأمراض مما جعل حالته الطبية أكثر خطورة. أبلغ محمد أيضاً عن سوء الأحوال المعيشية في سجن جو، بما في ذلك عدم توفر كميات المياه النظيفة أو الغذاء الصحي.

قدّمت عائلة محمد شكاوى إلى المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان وإلى الأمانة العامة للتظلمات في وزارة الداخلية تتعلق ببقائه في المستشفى لمدة 45 يومًا بسببب رفض إدارة السجن تحويله إلى مستشفى متخصص في أمراض الدم الوراثية وحرمانه من الأدوية المناسبة لحالته الصحية، وبحرمانه من الدواء الخاص بمرضه الجلدي الذي تفاقم جراء تقييد يديه بالقيود الحديدية. إلا أن هذه الشكاوى لم تأت بأي نتيجة.

في أغسطس 2018، انقطعت أخبار محمد لأكثر من أسبوعين بعد نقله إلى المستشفى لإجراء عملية جراحية. وفي أكتوبر 2018، اشتكى في اتصال مع أهله من حرمانه من الأدوية المسكنة لآلام نوبات السكلر التي وصفها له الطبيب المشرف على علاجه في المستشفى العسكري، مما أدى إلى تقارب نوبات السكلر وارتفاع حدة الألم الذي آذى عظامه مع حرمانه من الأدوية الخاصة بالحساسية الجلدية. كما شكى محمد تعرضه للإهمال الغذائي بعد تجاهل توصيات الطبيب في تخصيص وجبة غذائية مناسبة لحالته المرضية.

في يناير 2019، نُقل محمد محمولاً من قبل زملاءه السجناء إلى عيادة السجن بعد معاناته على مدى أسبوعين من نوبة آلام ناجمة عن مرض السكلر، والتي أعاقت قدرته على الوقوف وتسببت في قلة نسبة الأوكسجين وفي تدهور إضافي في حالته الصحية، بسبب مماطلة إدارة السجن في نقله للعيادة بانتظام. فما كان من الطبيب إلا أن وصف له مسكن عادي للألم ومغذي وريدي. ونظراً إلى عدم تلقيه العلاج المناسب، لم تتوقف تلك النوبات وتكرر نقله للعيادة عدة مرات، حيث تعرض في إحداها للاعتداء الجسدي والإهانة من قبل ممرض في العيادة.

في 4 مارس 2019، أصدر فريق الأمم المتحدة العامل المعني بالاحتجاز التعسفي رأياً بشأن الحرمان التعسفي من الحرية في قضايا خمسة بحرينيين، ومن بينهم محمد. واعتبر الفريق العامل احتجاز هؤلاء الأفراد تعسفياً، مطالبًا حكومة البحرين بالإفراج الفوري عنهم، وإلغاء جميع سجلاتهم الجنائية، ومنحهم التعويضات اللازمة. ووجد الفريق العامل أن احتجاز الدقاق كان تعسفياً بموجب الفئتين الأولى والثانية في انتهاك للمادتين 3 و9 و10 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادتين 9 و14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، بسبب عدم وجود مذكرة توقيف، وعدم إمكانية الوصول إلى مستشار قانوني وإدانته غيابياً.

في أبريل 2019، حُرم محمد من الزيارات ومن الخروج للتشمس بسبب نقله إلى السجن الانفرادي لأسباب مجهولة، إذ كان من المفترض أن يزوره أهله في 8 أبريل 2019، ولكن عند وصولهم إلى السجن، أخبرهم الضباط بأنّ ابنهم محروم من الخروج بسبب نقله إلى السجن الانفرادي “لأسباب مجهولة”. كما انقطعت أخبار محمد أثناء مشاركته زملائه السجناء في سجن جو إضرابهم عن الطعام احتجاجًا على سوء المعاملة في أغسطس 2019.

في 18 سبتمبر 2019، نشرت أربعة من مكاتب الإجراءات الخاصة التابعة للأمم المتحدة رسالة ادعاء إلى حكومة البحرين بشأن حرمان السجناء من الرعاية الطبية الكافية  في سجن جو، بمن فيهم محمد. وقد أعرب الخبراء عن قلقهم تجاه مزاعم التعذيب وسوء معاملة السجناء، خاصةً تجاه تدهور حالتهم الصحية وفرض القيود على حصولهم على رعاية صحية مناسبة خلال الاحتجاز. كما أعرب الخبراء عن قلقهم تجاه التدابير التي اتخذتها إدارة سجن جو انتقاما من السجناء لقيامهم بالاحتجاج السلمي داخل السجن، والتي تشكل جريمة ضد حرية الرأي والتجمع السلمي.

في مارس 2020، اشتكى محمد من آلام في البطن اعتقد أن سببها هو كمية ونوعية الوجبات التي تقدم. وبعد أن ساءت حالته، نُقل إلى مستشفى السلمانية قسم الباطنية، حيث أجريت له بعض التحاليل والأشعة. وبذريعة تفشي فيروس كورونا، منعت إدارة السجن محمد من زيارة الطبيب. أجرى الطبيب اتصالا بعائلة محمد وأخبرهم بأن ابنهم يعاني من جرثومة في المعدة، وبأنه وصف له مضادا لأخذه بشكل عاجل منعا لبقاء الجرثومة لفترة طويلة. وبعد ثلاثة أيام، اكتشفت والدة محمد أن الطبيب لم يتكلم معه. على إثرها، اتصلت بإدارة السجن شارحة ما حصل مع ابنها، وبعد عدة محاولات، تحدث محمد مع الطبيب في إتصال مرئي. كذلك اشتكى محمد لطبيب آخر في عيادة السجن معاناته من آلام في المفاصل والعظام، فوصف له مكملات غذائية وكالسيوم. عندها، اشترت عائلته الأدوية اللازمة له وسلمتها لإدارة السجن، إلا أنه بعد أسبوعين من ذلك، علمت والدته من أحد زملاءه في السجن بأن محمد لم يستلم الأدوية بعد.

في 1 يوليو 2020، تعرّض محمد للضرب ولرش رذاذ الفلفل على وجهه حتى الاغماء من قبل أحد عناصر الشرطة في السجن، مما تسبب بسوء حالته الصحية، ما استدعى نقله بسيارة إسعاف إلى المستشفى بعد قيام زملاءه بالضرب على باب الزنزانة لانقاذه. وبعد ذلك، أُخفي محمد قسرا لحوالي الشهر، حيث حاول مرارًا أهله الإتصال بشؤون السجناء، ولكن لم يتم الرد عليهم.

في 1 أكتوبر 2020، فرضت إدارة سجن جو قيود على حق المعتقلين الاتصال بعائلاتهم، فسمحت لهم بالإتصال لخمسة أرقام فقط خاصة بالأهل، مع ذكر صلة القرابة لصاحب كل رقم، وأن يقتصر الاتصال على عشرة دقائق كحد أقصى وبمبلغ أكثر بكثير من المعتاد، مما أدى إلى رفض المعتقلين، وبينهم محمد، لهذه الإجراءات، فقاموا بالإضراب عن الإتصال لأكثر من ثلاثة أسابيع احتجاجا على هذه القيود.

في أغسطس 2023، أثناء مشاركة محمد في الإضراب الجماعي عن الطعام الذي شارك فيه أكثر من 800 سجين في سجن جو، احتجاجًا على ظروف السجن السيئة، انخفضت نسبة السكر في دمه وفقد وعيه عدة مرات، مما أدى  لنقله إلى العيادة الطبية في السجن، بعدها تم نقله إلى غرفة باردة، ووضعه في سرير يواجه المكيف، حيث تعرّض نتيجة البرد الشديد في هذه الغرفة لنوبة ألم ناتجة عن مرض السكلر، ما استدعى نقله لتلقي العلاج.

في 22 أكتوبر 2023، حُرم محمد من الاتصال  لمدة عشرة أيام. خلال هذه الفترة، عانى من التهاب في إصبع قدمه ناتج عن تراكم الملح في جسده، مما عرقل قدرته على المشي بشكل كبير. اكتفوا بالبداية بإجراء صورة شعاعية في مستشفى القلعة لكنه تبين ضرورة نقله  إلى المستشفى العسكري حيث تم وصف مضاد حيوي له. بعد ثلاثة أيام من الإقامة في المستشفى، انخفض عدد خلايا دمه، مما استدعى نقل دم له، وخرج من المستشفى في 10 نوفمبر 2023.

في 11 نوفمبر 2023، أصيب إصبع قدمه بالتهاب مرة أخرى أكبر بكثير من الالتهاب السابق، ونُقل إلى المستشفى في اليوم التالي، حيث انقطع عن الاتصال مرة أخرى لمدة عشرة أيام. قامت والدته بتقديم شكوى إلى الأمانة العامة للتظلمات، تطالب بمعرفة مكان ابنها والسماح لها بإجراء مكالمة فيديو معه وتوفير العلاج اللازم. ردت الأمانة العامة للتظلمات بأن محمد في المستشفى العسكري دون تقديم مزيد من التفاصيل، ودون منح محمد الفرصة للاتصال بعائلته.

في 22 نوفمبر 2023، أجرى محمد مكالمة فيديو مع والدته للمرة الأولى منذ 12 نوفمبر 2023، حيث كشف لها أنه تم نقله إلى المستشفى بسبب النقرس وتفاقم التهاب إصبع قدمه نتيجة تراكم الملح، وتحدث عن شرب المياه الملوثة المقدمة من قبل إدارة السجن. وذكر محمد في الاتصال أنه تم إخراجه للتو من المستشفى حيث وصفوا له علاجًا جديدًا.

منذ اعتقاله وحتى اليوم، تستمر عائلة محمد في محاولة التحذير من خطورة الانتهاكات التي يتعرض لها ابنها، من خلال مناشدات تنشرها على وسائل التواصل الاجتماعي، تطالب فيها بالتدخل لإنقاذ حياة ابنها من سياسة الإهمال الطبي والإخفاء القسري الممنهج.

إن اعتقال محمد التعسفي وحرمانه من الوصول إلى محام وتعذيبه وتعريضه للسجن الانفرادي وللإخفاء القسري وللإهمال الطبي لصحته المتدهورة ولمحاكمة غيابية غير عادلة وللمحاكمة التي استُخدمت خلالها الاعترافات المنتزعة تحت التعذيب وللانتقام يُعدّ انتهاكًا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ولاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة (CAT)، وللعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (ICCPR)، وللعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (ICESCR)، التي تُعدّ البحرين طرفًا فيهم. وعليه، تدعو منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين (ADHRB) البحرين إلى الوفاء بالتزاماتها في مجال حقوق الإنسان من خلال الإفراج الفوري وغير المشروط عن محمد، وعبر التحقيق في جميع مزاعم اعتقاله التعسفي وتعذيبه وسوء معاملته وتعرّضه لمحاكمة غير عادلة وللسجن الانفرادي وللإخفاء القسري وللإهمال الطبي، وإلى محاسبة الجناة – بما في ذلك أطباء سجن جو الذين يساهمون في سوء معاملة المساجين ويتهربون من مسؤوليات مهنتهم، أو على أقل تقدير إجراء إعادة محاكمة عادلة وصولًا إلى إطلاق سراحه. كما تدق منظمة ADHRB ناقوس الخطر بشأن التدهور الخطير في حالة محمد الصحية بسبب الإهمال الطبي والحرمان من الرعاية الطبية، خصوصا فيما يتعلّق بعدم تقديم العلاج المناسب لمرض السكلر الذي يعاني منه، وتطالب البحرين بتأمين العلاج المناسب لمحمد بشكل عاجل، محملة إياها مسؤولية أي تدهور إضافي في حالته الصحية.