البحرين تستخدم منظمات للتستّر على انتهاكات حقوق الإنسان

تثير قضية حقوق الإنسان قلقاً متزايداً في عالمنا الذي يشهد اليوم توسعاً في “التواصل العالمي المرتكز على المجتمع الدولي” القائم على القانون الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية. هذه القضية أضحت أساساً لشرعية الدول في المسرح العالمي. ولتأكيد تلك الشرعية، قامت دول مثل مملكة البحرين المتهمة بالتعذيب المنهجي وانتهاكات حقوق الإنسان على نطاق واسع، بإنشاء منظمات مستقلة ظاهرية تركز على تعزيز حقوق الإنسان، وذلك كوسيلة لصرف الانتباه عن انتهاكاتها، ومنها المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان (NIHR) وهي منظمة مستقلة هدفها التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان والتركيز على تعزيز حقوق الإنسان في البحرين. إلا أنّ لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب (CAT) قالت بأنّ المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في البحرين “غير مستقلة” و “غير فعاّلة” لأن الشكاوى تنتقل في نهاية المطاف إلى وزارة الداخلية”.

وباللإشارة الى أحد الإنتهاكات، أفاد أفراد عائلة هاجر حسن في 16 سبتمبر من عام 2018، أنها تعرضت للإعتقال والضرب على أيدي حراس السجن في مدينة عيسى بعد سجنها بتهمة زرع عبوة ناسفة زائفة. نائب الأمين العام للأمم المتحدة طعن بالتهم الموجهة إلى هاجر حسن وقال إنها “ملفقة” وهي مجرد وسيلة للانتقام من الأعمال المتعلقة بحقوق الإنسان التي قام بها صهرها سيد الوداعي، مدير معهد البحرين للحقوق والديمقراطية، وهو يعيش حالياً في بريطانيا ويعمل على فضح انتهاكات البحرين لحقوق الإنسان.

بموازاة ذلك، أصدرت منظمة العفو الدولية لاحقاً في 28 سبتمبر من عام 2018، تقريراً أكثر شمولاً يشرح بالتفصيل حادثة تعذيب هاجر حسن وآخرين، ويكشف عن حجب السلطات البحرينية الرعاية الطبية عن أولئك الذين تعرضوا للتعذيب، ويصف ذلك بأنه “ضرب مزعوم يليه إهمال طبي متعمد”. فيما يلفت التقرير إلى رفض السلطات البحرينية تأمين العلاج الطبي لهاجر حسن بعد إخضاعها التعذيب، وامتناعهم عن تشخيص أورام الثدي عندها التي قد تكون سرطانية.

على صعيد متصل، قامت (NIHR)التي تديرها حكومة البحرين بإصدار بيان في 2 تشرين الأول من عام 2018، يدحض مطالب السجناء المحتجزين في سجن مدينة عيسى الذي تُحتجز فيه هاجر حسن ونساء أخريات. جاء دحضها كجزء من توجهها نحو إنكار التعذيب المنهجي الذي ترتكبه حكومة البحرين ضد المعارضين والتعتيم عليه.
وعلى سبيل المثال، أنشأت الحكومة البحرينية لجنة البحرين المستقلة للتحقيق، بموجب مرسوم ملكي للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في انتفاضة الربيع العربي في عام 2011، رغم ادعاء الحكومة أنها راجعت ونفّذت العديد من الإصلاحات. وعلى ضوء ذلك، توصلت المنظمات غير الحكومية من ضمنها منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان (ADHRB) الى تحليل مشترك مفاده: أنّ أكثر الانتهاكات الجوهرية التي عالجتها اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق (BICI) ما زالت مستمرة في البحرين من دون رادع.

وكانت (NIHR) قد أعلنت سابقاً في سبتمبر عام 2018 عن غياب التعذيب المنهجي في البحرين، مشيرةً إلى أنّ جماعات حقوق الإنسان هي من أعلن هذه العبارة: “الخلاف مع الواقع”، تعزز الأمم المتحدة هذا التقييم عبر تقرير نشرته لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب (CAT) يعبر عن مخاوفها من (NIHR) البحرينية وافتقارها الواضح إلى الاستقلال.
وبالإضافة إلى المخاوف بشأن شرعية منظمات مثل (NIHR)، أُفيدَ بأنّ المملكة المتحدة تدعمها، وتوفر لها ولموظفيها التدريب والاستشارة. كما أنّ دعم المملكة المتحدة لمؤسسات حقوق الإنسان المعيبة في البحرين يشبه دعمها للفريق المشترك لتقييم الحوادث، الذي من المفترض أن يحقق إسمياً في مزاعم إرتكاب جرائم الحرب ووفيات المدنيين التي يتسبب بها التحالف السعودي في حربه على اليمن، كجريمة التفجير الذي راح ضحيته 40 طفلاً في رحلة ميدانية. ومن المثير للقلق أن وزارة خارجية المملكة المتحدة تعمل على إخفاء إساءات وانتهاكات حقوق الإنسان الأخرى وبالتالي تعاقِب عليها، إذ صرّح المتحدث باسم وزارة الخارجية للصحفيين بأن “المملكة المتحدة تواصل دعم الإصلاح البحريني من خلال حزمة من المساعدات التقنية”، ولكن يبقى السؤال هنا: ما هو الإصلاح الذي يشير إليه؟ إذ ورد أنّ البحرين قد كثفت تعذيبها للمعتقلين.

وفي محاولة لتجنب الإهتمام العالمي بانتهاكات حقوق الإنسان، تنشئ الدول إسمياً هيئات مستقلة للتحقيق بحقوق الإنسان وذلك للتستر على الانتهاكات. ومن المحتمل أن يشكل استخدام هذه المنظمات شرعيةً تنشئها لنفسها، “محاولةً أورويلية” لإخفاء أو تغطية حقائق انتهاكاتها، وهي قضية مثيرة للقلق من جهة قدرتها على تحميل دولة مثل البحرين مسؤولية أفعالها.