الفن كمظهر للإحتجاج: السيدة صفاء ونظام الولاية الذكوري في السعودية

يعتبر شهر أكتوبر شهراً وطنياً للفنون والإنسانيات في الولايات المتحدة. وكمنظمة مقرها الولايات المتحدة، تعتبر”أميركيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين” أنّ هذا الشهر بمثابة فرصة كبيرة لتسليط الضوء على الدور المهم الذي لعبه الفن  في تاريخ الاحتجاج السلمي في دول الخليج العربي. وفي هذا الصدد سيسجّل شهر أكتوبر بداية سلسلة مدوناتنا “الفن كمظهر للإحتجاج” وسيستعرض تاريخ الاحتجاج على انتهاكات حقوق الإنسان في الخليج من خلال الفن بجميع أشكاله.

في الأشهر الأخيرة، شهدت المملكة العربية السعودية تقدّم في مجال حقوق المرأة حيث رفع الحظر عن

 قيادة النساء للسيارة. هذه الخطوة التي أُشيد بها على انها إنجاز عظيم في المملكة – المعروفة بتقييدها الشديد للمجتمع المدني، وخصوصاً النساء. مع ذلك، ظل هذا التقدم ملوثاً بنظام الولاية الذكوري والقمعي الذي ما زال يمنح الرجال السلطة للتحكم في العديد من القرارات الحاسمة في حياة المرأة. ناضلت الناشطات السعوديات لسنوات من أجل الحق في القيادة، لوضع نهاية  لنظام الولاية الذكوري، ولحقوق الإنسان الأساسية الأخرى، ليس فقط في المملكة العربية السعودية، ولكن أيضاً على المستوى الدولي. إحدى هؤلاء الناشطات هي فنانة الشارع المعروفة باسم السيدة صفاء، الذي يعد فنها بمثابة وسيلة داعمة لنشاطها، بالاقتران مع حركة شعبية ناشئة تحتج على قوانين الولاية.

 

السيدة صفاء، التي ولدت وترعرعت في السعودية، تقيم حالياً في أستراليا. هناك، وبالإضافة إلى متابعة دراستها، تستخدم فنها لوضع نفسها والنساء السعوديات الأخريات في عمق الحوار الذي يدور حول الظروف والقيود التي تواجه المرأة السعودية. يتمثل أحد أهدافها الأساسية في زيادة الوعي الدولي حول التداخل في عدم المساواة بين الجنسين في المملكة، والنساء السعوديات الشجاعات اللواتي يدافعن عن حقوقهن رغم التهديد بالانتقام. الدفاع عن حقوق الإنسان، تنظيم الاحتجاجات السلمية، والجهر بانتقاد الحكومة، كل هذه الأمور تعتبر كجرائم يمكن أن يعاقب عليها بالإعدام في المملكة العربية السعودية. سجن العديد من النساء السعوديات بسبب نشاطهن، من بينهن سمر بدوي ونسيمه السادة. ومن المحتمل أن تواجه الناشطة إسراء الغمغام عقوبة الإعدام بسبب نشاطها السلمي.

 

إن الدافع وراء عمل السيدة صفاء ينبع أيضاً من الإحباط الذي تشعر به في رؤية التمثيل الخاطئ للنساء السعوديات من قبل وسائل الإعلام الدولية، بدلاً من كونهن ساعيات لتقرير مصيرهن. تصوّر إحدى رسوماتها الأكثر شهرة امرأة ترتدي شماغ – وهو غطاء يرتديه الرجال كتقليد – الأمر الذي أثار الجدل فور نشره. من خلال هذا التصوير للنساء، تحرّض السيدة صفاء المشاهدين ليس فقط على التساؤل حول الأدوار  والتقاليد التقييدية، بل أيضاً التفكير في تمكين المرأة في المجتمع السعودي. تبرز السيدة صفاء الشماغ كرمز للقوة، وهي تظهر في لوحتها قوة المرأة في المجتمع السعودي عن طريق تزيينها بالشماغ. يغطي النصف السفلي من وجه المرأة رسالة “أنا ولية أمري”. وقد أصبحت هذه القطعة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بحركة #I_Am_My_Own_Guardian وهي حملة دولية للتوعية حول نظام ولاية الذكور السعودي والدفاع عن حقوق المرأة. يوفر الهاشتاغ المرتبط بهذه الحركة منصة للنقاش حول العقبات التي تواجه المرأة السعودية ونشطاء حقوق الإنسان. لسوء الحظ، بسبب القوانين القمعية الشديدة التي تمنع حرية التعبير، بما في ذلك القوانين المطّاطة لمكافحة الإرهاب، تواجه النساء ونشطاء حقوق الإنسان على حد سواء حواجز مؤسساتية شديدة في إحداث الإصلاح السياسي داخل المملكة العربية السعودية.

إن عمل السيدة صفاء هو مهم جدا لحركة حقوق المرأة. لا يقتصر وجودها على الإنترنت عبر وسائل التواصل الاجتماعي فقط، بل تم تكليفها أيضًا بالمشاركة في حملات لزيادة الوعي حول انتهاكات حقوق الإنسان في السعودية أثناء وجودها في أستراليا. مع ذلك، على الرغم من أن الطبيعة المثيرة للجدل لأعمالها الفنية تلفت الانتباه وتثير النقاش، إلا أنها كانت أيضًا هدفاً للتخريب. في ملبورن، شاركت السيدة صفاء في رسم جدارية احتجاجية نسويّة تظهر الشبه بين الفنانات السعوديات سيئات السمعة، والنشطاء، لكنها شُوهت في فبراير 2017. يشتبه في أن التخريب كان بسببه خلفيات الخوف من الإسلام، خاصة مع تزايد الكره تجاه للمسلمين وتزايد جرائم الكراهية التي تستهدف المسلمين على الصعيد الدولي. في هذا الصدد، وصفت صفاء العقبات المستمرة التي تواجهها النساء السعوديات، قائلة: “عليك أن تحارب الرجال المبغضين للنساء في الوطن، والمتعصبين العنصريين المتخوّفين من الإسلام في هذا البلد”.

على الرغم من هذه التحديات، يستمر عمل السيدة صفاء. إذ عُرضت مؤخراً أعمالها الفنية في معرض بعنوان “LANDLESS BODIES” الذي افتتح في 5 أكتوبر 2018. ويكشف هذا المعرض تجارب هوية المرأة وثقافتها ، بغض النظر عن الحدود الجغرافية والزمنية.

إن حركة #I_Am_My_Own_Guardian مستمرة وتبقى بنفس الأهمية  كل ما رأينا اعتقالات، احتجازات تعسفية، استمرار في قمع النساء اللواتي ناضلنا وما زلن يناضلن من أجل احراز تقدم في مجال حقوق المرأة…

تبرز أعمال السيدة صفاء، من بين أعمال النشطاء الآخرين، التي تفضح انتهاكات المملكة العربية السعودية وقيودها أمام المجتمع الدولي، وتلعب دورًا أساسيًا في الحركة الحقوقية التي تقودها النساء في السعودية.