حتّى لا ننسى المعتقلات في سجون البحرين..

مع استمرار فشل السلطات البحرينية في تبييض انتهاكاتها لحقوق الإنسان لا سيما من خلال استحقاقها الإنتخابي الذي اختتمت جولته نهاية الأسبوع الفائت، لا بد من تجديد النداءات والمطالبات الدولية حول محاسبة السلطات البحرينية على انتهاكاتها الفاضحة لحقوق الإنسان لا سيما ما تعانيه النساء في سجن مدينة عيسى، وتوجيه دعوات ملحة لإطلاق سراح الناشطات المعتقلات بدون تهم محقّة.

مطالبات بريطانية بمعاقبة رئيسة سجن النساء

آخر المطالبات الدولية حول انتهاك حقوق المعتقلات تمثلت بدعوة نواب بريطانيين إلى العمل على وقف المضايقات التي تتعرض لها السجينات السياسات في البحرين، حيث أطلق النواب عريضة في 22 نوفمبر 2018 أدانت الاعتداء بالضرب وسوء المعاملة الذي تعرضت له المعتقلات، لاسيما هاجر منصور، نجاح يوسف، ومدينة علي.

 النواب صوبوا أصابع الإتهام نحو رئيسة سجن النساء بمدينة عيسى، مريم البردولي، ودعوا الحكومة البريطانية إلى فرض عقوبات على المتورطين في الانتهاكات، وأعربت العريضة التي وقع عليها عدد من النواب البريطانيين، عن القلق الشديد إزاء الأعمال الانتقامية التي اعتمدتها سلطات السجن في الرد على كشف المعتقلات للانتهاكات التي يتعرضن لها، كما أشارت العريضة إلى اضطرار بعض المعتقلات للإضراب عن الطعام احتجاجا على هذه الأوضاع المتدهورة، ومنهن المعتقلة هاجر منصور. ودانت العريضة الهيئات الحكومية في البحرين المعنية بالسجناء، وخصوصاً التي تتلقى دعماً من المملكة المتحدة، حيث تورطت هذه الهيئات في التغطية الممنهجة على الانتهاكات التي تحدث في سجن النساء.

 

إفشال مساعي تبييض الإنتهاكات داخل السجن

في 16 نوفمبر وجّهت ثلاث معتقلات سياسيات من البحرين رسالة صوتيّة مفتوحة رداً على بيان سابق لوزارة الداخلية التي عرضت شريط فيديو من داخل سجن النساء بمدينة عيسى، زاعمة بأن السجن تتوفر فيه بيئة صالحة للسجناء.

وقال مدينه علي، وهاجر منصور ونجاح يوسف في الرسالة بأن العمل على إظهار الفيديو بعد توجيه نداءات عدّة إلى الجهات الحقوقية للتدخّل العاجل والسريع لوقف ما نتعرض له من انتهاكات، وذلك في انتقام منّا بسبب إبلاغ الرأي العام بما نتعرض له من انتهاكاتٍ في داخل السجن، وكذلك انتقاماً لاستمرار النشاط الحقوقي بالخارج وبالخصوص نشاط الحقوقي سيد أحمد الوداعي.

وأوضح البيان بأن الفيديو المعروض أكّد على جزءٍ من الانتهاكات التي تتعرض لها السجينات، وهو الحاجز المفروض أثناء الزيارة العائليّة، وتساءل البيان “ما الهدف من وضع الحاجز داخل الزيارات؟ على الرّغم من خلو الزيارة من أي مخالفة.

وكررت المعتقلات توجيه النداء من أجل التدخل العاجل من قبل الجهات المحايدة، ومنها المنظمات الدولية والمقررّون الأمميون، وشرفاء العالم، وذلك للعمل من أجل كشف حقيقة ما يحدث داخل السجن من انتهاكات مستمرة بحقهن.

 

هاجر منصور ونجاح يوسف ومدينة علي.. شواهد حيّة

اعتقلت هاجر منصور في 5 مارس 2017، بعد يومين من إلقاء القبض على إبنها وابن أخيها، اخضعتها السلطات للإستجواب لمدة ثلاثة أيام حول معلومات تتعلق بزوج ابنتي، الناشط الحقوقي سيد أحمد الوداعي، وأثناء الإستجواب، تعرضت للضرب بثاقبة أوراق، وأُخذت بصماتها أثناء غيابها عن الوعي وأهينت بكلمات فاحشة وهددوها بنقلها إلى غرفة مليئة بالفئران ومارسوا بحقها التعذيب النفسي وحرموها لمدة طويلة من دون أي طعام أو شراب.

حُكم على هاجر منصور بالسجن لمدة 3 سنوات كما حُكم على ابنها بالسجن لمدة 8 سنوات أخرى بتهم تعسفية أخرى، ويمثل اعتقالهما وسيلة ضغط لوقف نشاط سيد أحمد الوداعي والإنتقام منه.

وقد حمّل مدير معهد البحرين للحقوق والديمقراطية (BIRD)سيد أحمد الوداعي وزارة الداخلية ورئيسة سجن مدينة عيسى للنساء مريم البردولي مسؤولية سلامة عمته سجينة الرأي هاجر منصور، مؤكداً أن الحرمان من العلاج والأعمال الانتقامية التي تُمارس ضدها بدأت بالتأثير سلبًا على وضعها الصحي.

كما برز في قضية هاجر منصور موقف لمنظمة العفو الدولية، حيث قالت سماح حديد، مديرة الحملات للشرق الأوسط في منظمة العفو الدولية، “إن الحكم على ثلاثة من أفراد عائلة سيد الوداعي بتهم ملفقة، وعقب محاكمة بالغة الجور، ليس سوى مخططاً سافراً لجأت إليه السلطات لمعاقبة الناشط البحريني البارز، والضغط عليه من أجل وقف انتقاده السلمي للحكومة”، واختتمت سماح حديد قائلة: “ينبغي أن تشكل الأحكام التي صدرت جرس إنذار لحكومة المملكة المتحدة، التي ما فتئت تقلّل من شأن تدهور حالة حقوق الإنسان في البحرين: فما عاد من الممكن أن تغض الطرف عن الانتهاكات التي ترتكب في البلاد”.

أما نجاح يوسف البالغة من العمر 40 عاماً والتي كانت تعمل كموظفة حكومية في هيئة تنظيم سوق العمل إستدعاها مركز الخدمات الأمنية في محافظة المحرق بمرافقة ولدها البالغ من العمر 14 عاماً يوم الأحد الواقع في 23  أبريل 2017 للتحقيق معها في تهمة “تجمع غير قانوني  وشغب” مزعومة.

وبعد إستجواب ولدها، إستجوبت نجاح وإتُهمت بالعمل مع منظمة إرهابية في إيران والعراق، فنفت نجاح أي إنتماء من هذا القبيل، لكن تجاهل ضباط الأمن إحتجاجها وطلبوا منها العمل مع الدولة كمُخبرة. ولإجبارها على التعاون، وعدها ضباط الأمن بالأمان في وظيفتها والإفراج عن ولدها البالغ من العمر 17 عاماً من السجن، لكنها رفضت عرضهم في اليوم التالي، فتعرضت للضَرب نتيجةً لذلك. وهدد رجال الأمن بإغتصاب نجاح وبقتلها أو قتل أحد أفراد أسرتها من خلال تزييف حادث ما. واستمر الإستجواب لمدة ثماني ساعات وبعد ذلك أطلقَ سراح نجاح وطلب منها العودة في اليوم التالي. وبعد الإستمرار في تعذيبها في الأيام التالية طلب ضباط الأمن من نجاح الذَهاب إلى منزلها والعودة إلى المركز في اليوم التالي ولكنها رفضت مغادرة مركز الأمن لمجرد العودة في اليوم التالي لروتين التعذيب والإستجواب. إتصل ضباط الأمن بزوج نجاح لأخذها من المركز وقالوا له أنهم يريدونها أن تأتي إلى المركز يوم الخميس للتوقيع على تعهد بعدم الإنخراط في أنشطة سياسية أو التفاعل مع بعض الأشخاص، ووعد الضباط بالسماح لها بالعودة إلى منزلها بعد توقيعها على التعهد. وافقت نجاح على العودة إلى دارها في تلك الليلة معتقدتاً بأن محنتها قد أوشكت على الإنتهاء. عادت نجاح مع زوجها يوم الخميس إلى مركز الأمن كما طُلب منها ولكن، لم يكن هناك أي تعهد للتوقيع عليه. بدلاً من ذلك، طلب منها ضباط الأمن التوقيع على عدة إعترافات لتهم زائفة فنُقلت نجاح إلى النيابة العامة بعدما رفضت التوقيع على الإعترافات عند الساعة التاسعة مساء تلك الليلة، وأبلغت زوجها ومحاميها بأنها نقلت إلى مركز إحتجاز النساء في مدينة عيسى.

في 25 مايو 2017، نقلت نجاح إلى المحكمة دون إشعار مسبق، وطلب منها أن تعترف بتهم مزيفة. نفت نجاح جميع التهم الموجهة ضدها وأُجلت جلسات الإستماع حتى 11 يونيو2017، وخلال تلك الجلسة، لم يعطِ محامي نجاح أي معلومات عن التهم الموجهة ضد موكلته ولم يتمكن من مقابلتها وأُبلغ بتمديد فترة احتجازها لمدة 30 يوماً، وليس أسبوعين، ولكنها ما زالت معتقلة حتى يومنا هذا. وبرزت ردود أفعال متأخرة من قبل إدارة سباق الفورمولا واحد يوم 12 نوفمبر 2018 تثير القلق بشأن استمرار سجن نجاح يوسف بسبب انتقادها تنظيم السباقات في البحرين لعام 2017.

أما مدينة علي فقد اعتقلت بتاريخ 29 مايو 2017 بتهمة إيواء هاربين ومطلوبين وتعرضت لأبشع أنواع التعذيب، فقد بدأ التحقيق معها وهي معصبة العينين وتتعرض لضرب عنيف وتحديداً على الوجه وللطم الرأس بالحائط حتى صار لديها خسف ملحوظ في مقدمة الرأس مازال واضحا حتى الآن، ولم تُعرض على طبيب جنائي رغم مرور اربعة اشهر مع عدم السماح لها بالتواصل مع العائلة. بعدها نقلت الى مبنى التحقيقات الجنائية وتم التركيز في هذا المبنى على التعذيب النفسي، وكانت البرودة شديدة جداً في الغرفة قبل بدء التحقيق بسبعة ساعات واستمر التحقيق معها لمدة ساعتين في نفس الغرفة الشديدة البرودة وبعدها سمح لها بالاتصال بالعائلة.

مطالبات حقوقية مستمرة

في الثامن عشر من أكتوبر الجاري قامت منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين (ADHRB) بإرسال رسالة إلى ميشيل باتشيليت، مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، وذلك بالتعاون مع مركز البحرين لحقوق الإنسان (BCHR)  ومنظمة البحرين للحقوق والديمقراطية (BIRD) ومنظمة التحالف العالمي لمشاركة المواطنين (CIVICUS)  والمركز الأوروبي للديمقراطية وحقوق الإنسان (ECDHR)، منظمة الخط الأمامي ( Front Line Defenders) ومركز الخليج لحقوق الإنسان (GCHR)   ومؤشر الرقابة (Index Censorship) والخدمة الدولية لحقوق الإنسان(ISHR)  المنطمات دعت خبراء الأمم المتحدة إلى إدانة الظروف المروعة التي تواجهها المدافعات عن حقوق الإنسان في سجن مدينة عيسى للنساء في البحرين، وقد أوردت سلسة مطالب هي:

  • إصدار بيان علني يدعو إلى وضع حد للأعمال الانتقامية ضد هاجر منصور ونجاح يوسف ومدينة علي، وللقيود المستمرة على المكالمات الهاتفية والزيارات العائلية والوقت المخصص خارج الزنزانة المفروضة على جميع السجناء.
  • دعوة البحرين إلى الإفراج فوراً وبلا قيد أو شرط عن النساء اللواتي يتم سجنهن بناء على اتهامات مسيسة تتعلق بأنشطتهن في مجال حقوق الإنسان وبسبب أقاربهن.
  • الدعوة العلنية إلى إجراء تحقيق مستقل في ادعاءات التعذيب وسوء المعاملة ضد السجينات من أجل ضمان محاسبة الجناة، بمن فيهم الرئيسة البردولي.
  • حث حكومة البحرين، في ظل تعيينها مؤخراً كعضو في مجلس حقوق الإنسان، على التقيد الصارم بالتزاماتها الدولية، بما في ذلك السماح للمقرر الخاص المعني بالتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة بزيارة البلد .

 لم تتوانَ المنظمات الحقوقية عن مناشدة المجتمع الدولي لاتخاذ إجراءات رادعة توقف انتهاكات حقوق الإنسان في سجن النساء واطلاق سراح الناشطات الذين وجهت لهم تهما كيدية واعتقلوا من اجل حرية الرأي والتعبير، ومن هذا المنبر نؤكد على استمرار المناشدات والمطالبات لإنهاء القمع الحاصل في سجون البحرين. وبعد فشل البحرين في اجراء انتخابات حرة ونزيهة وسط الضغوط الدولية التي أدانت تلك الانتخابات والقمع المستمر للسجناء السياسيين والناشطات وعدم اطلاق سراحهم، هل ستستمر السلطات في تبييض انتهاكاتها لحقوق الإنسان وتحسين صورتها أمام الدول التي تتحالف معها من أجل الحفاظ على مصالحها؟