إنتهاكات جديدة بحق الناشطات المعتقلات تُضاف الى سجلّ السعودية الحافل بانتهاكات حقوق الإنسان

  لا يختلف المشهد كثيراً بين البحرين والسعودية على صعيد ممارسة التعذيب المخالف للقوانيين الدولية في السجون فهما وجهان لعملة واحدة، فكيف إذا كان ذاك المشهد حاضراً في سجون النساء، هنا تبلغ الإنتهاكات حدها الأقصى لتطال تعنيف الجسد وارتكاب جرائم غير مشروعة بحق الناشطات المعتقلات. آخر الأحداث تقودنا لتسليط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان التي تتعرض لها الناشطات المعتقلات في السجون السعودية لا سيما وأن ملف انتهاكات حقوق الإنسان في السعودية أثير بشكل كبير في المحافل الدولية مؤخراً ومن قِبل المنظمات الحقوقية وذلك بعد تورط السعودية بمقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودي في اسطنبول.

 

آخر الأحداث في سجلها الحافل بالإنتهاكات

 شكّلت الإنتهاكات الفاضحة التي تعرضت لها الناشطة لجين الهذلول في السجن أحدث الإنتهاكات التي ترتكبها السلطات السعودية بحق الناشطات، إذ كشفت صحيفة وول ستريت جورنال بتاريخ 17 ديسمبر أنّ سعود القحطاني هدد الناشطة لجين الهذلول بالاغتصاب والقتل والرمي في المجاري الصحية، وكان القحطاني يعمل مديرا لمركز الشؤون الإعلامية في الديوان الملكي السعودي قبل فصله بعد تورطه في مقتل الصحافي جمال خاشقجي في اسطنبول.

وتقول الصحيفة: “إن ضباط الأمن في السجن قاموا بتعذيب الناشطات بالصعقات الكهربائية، وتعرضوا لهنّ بالتحرش الجنسي”، فيما نقلت الصحيفة عن مسؤولين سعوديين قولهم: “إن أشد أشكال التعذيب مُورست على لجين الهذلول، وأشرف القحطاني شخصياً على التعذيب الذي شمل الإيهام بالغرق، كما هدد سعود القحطاني باغتصاب (الهذلول) وقتلها ورميها في مجاري الصرف الصحي”.

ويقول ناشطون ومستشارون سعوديون إن من بين 18 ناشطة اعتقلن، تعرضت 8 منهن للتعذيب الجسدي، وعُذبت معظمهنّ في بيوت الضيافة التابعة للحكومة في جدة أثناء الصيف قبل نقلهن إلى السجن المركزي في ذهبان. وكان من ضحايا التعذيب الناشطة والأستاذة الجامعية عزيزة اليوسف وإيمان النفجان، أم لثلاثة أطفال وسمر بدوي المعروفة بمعارضتها لنظام الولاية، وشقيقة المعتقل رائف بدوي.

وتضيف الصحيفة أن كلاًّ من النفجان والهذلول واليوسف نقلن من سجن جدة إلى سجن الحائر الأمني في الرياض. وهي إشارة لقرب محاكمتهن خاصة أن القضايا المتعلقة بالأمن الوطني عادة ما تتم أمام المحكمة الجنائية الخاصة في الرياض.

وتقول الصحيفة  إن مفوضية حقوق الإنسان السعودية التي تقدم تقاريرها للملك، تقوم بالتحقيق في حالات تعذيب للناشطات اللواتي قدن الحملة لرفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارة في السعودية وتشمل التعذيب والإيهام بالغرق.

بالتزامن مع ذلك قام والد الناشطة السعودية لجين الهذلول بنشر تغريدة على تويتر أكّد فيها تعرضّ ابنته للتعذيب والتحرّش الجنسي داخل السجن، فما كان من السلطات إلّا أن أخفت له حسابه على تويتر بعد 48 ساعة من نشر تلك التغريدة.

 

منظمات حقوقية تستنكر

في 26 نوفمبر أصدر شركاء تحالف النساء السعوديات الأحرار بياناً دعت فيه إلى وضع حدّ لتعذيب المدافعات عن حقووق الإنسان في السعودية. وقالت أوما ميشرا نيوبري، المديرة التنفيذية لـ Women’s March Global :”منذ شهر مايو، كنا ندعو إلى إطلاق سراح غير مشروط للمدافعات عن حقوق المرأة السعودية – كما أنّ اكتشاف التعذيب الذي تتعرّض له المدافعات عن حقوق الإنسان يحفّزنا أكثر على العمل”.

البيان أطلقه أعضاء من تحالف النساء السعوديات الأحرار – بما في ذلك Women’s March Global، والمركز الخليجي لحقوق الإنسان (GCHR)، والخدمة الدولية لحقوق الإنسان (ISHR)، و CIVICUS، وأمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين (ADHRB) دعوا فيه إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن المدافعات عن حقوق الإنسان في السعودية.

وقد جُمِّع أكثر من 240،000 توقيع على عريضة Women’s March Globalعلى موقع Change.org التي تدعو الأمم المتحدة إلى محاسبة المملكة العربية السعودية. دعَتْ أكثر من 170 منظمة غير حكومية الأمم المتحدة لتعليق المملكة العربية السعودية من مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وفتح تحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد.

وقال خالد إبراهيم، المدير التنفيذي للمركز الخليجي لحقوق الإنسان: “من بين المدافعات عن حقوق المرأة اللواتي سجِنَّ هذا العام في المملكة العربية السعودية شريكات وأصدقاء. اختُطِفَت شابة وأُحْضِرَت إلى المملكة العربية السعودية قَسْرًا، تمامًا كما خطَّطت السلطات للصحافي البارز جمال خاشقجي الذي قُتل في القنصلية السعودية في اسطنبول في أكتوبر. لا يمكننا أن ننسى المدافعات عن حقوق المرأة الشجعان الذين تعرّضنَ لخطر التعذيب وسوء المعاملة في السجن، ونحن نخشى على رفاهيتهنَّ”.

وقد دعا شركاء التحالف إلى اتخاذ إجراءات دولية، بما في ذلك وقف مبيعات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية، وهو ما مكّن الحرب في اليمن منذ عام 2015. وقالت سلمى الحسيني، محامية دفاع مجلس حقوق الإنسان في ISHR، إن أعضاء مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة يجب أن يدعوا إلى جلسة خاصة حول تزايد القمع الداخلي من قبل السلطات السعودية ضد المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين وغيرهم من المنتقدين السلميين.

وقال حسين عبد الله، المدير التنفيذي لـ ADHRB : ” ندعو إلى مساءلة المسؤولين، ليس فقط لاعتقال المدافعات عن حقوق المرأة، بل بسبب الملايين الذين يواجهون المجاعة في اليمن، ولتفي المملكة بالتزاماتها بموجب المعاهدات الدولية”.

في 21 نوفمبر عام 2018 نشرت منظمة ” هيومن رايتس ووتش” تقريراً يفيد بتعرّض نساء محتجزات في السجون السعودية للتعذيب، فنقلاً عن مصادر مطلعة قالت المنظمة إن المحققين السعوديين عذّبوا ما لا يقل عن ثلاث ناشطات سعوديات محتجزات منذ بداية شهر مايو 2018. وقالت هيومن رايتس ووتش أيضاً إن التقارير تزعم أن التعذيب من قبل السلطات السعودية شمل الصعق بالصدمات الكهربائية، الجلد على الفخذين، والعناق والتقبيل القسريين.

المنظمة طالبت السعودية بالتحقيق بشكل موثوق على الفور في ادعاءات سوء المعاملة في السجن مع ضمان سلامة جميع النشطاء المحتجزين، وأن تسمح للنساء المحتجزات بالاتصال بالمحامين وأفراد أسرهن دون قيود، وأن تقدم أدلة على سلامتهن، وتطلق سراح المعتقلين فقط بسبب الدعوة السلمية للإصلاح. ودعت المنظمة حلفاء السعودية وشركات السيارات الكبرى للضغط على السلطات السعودية لإطلاق سراح النشطاء في مجال حقوق المرأة المحتجزين لدورهم في حملة حق المرأة في القيادة ولمطالبتهم بحريات أخرى.

وقال مايكل بَيْج، نائب مديرة الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: “أي تعذيب وحشي لناشطات سعوديات لن يكون له حدود في حملة السلطات السعودية الوحشية ضد المنتقدين ونشطاء حقوق الإنسان. يجب أن تواجه أي حكومة تعذب النساء بسبب مطالبتهن بحقوقهن الأساسية انتقادات دولية شديدة، لا أن تحصل على دعم غير محدود من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة” ويضيف بَيْج: “في الوقت الذي يبحث فيه العالم للحصول عن إجابات عن القتل الوحشي لجمال خاشقجي، فإنّ مصير النساء وناشطات حقوق الإنسان في السجون السعودية لا يزال عالقاً، ويجب على قادة العالم دعوة محمد بن سلمان لإنهاء الحملة ضد المنتقدين المحليين، وعلى الدول الأخرى التوقف عن تسليح السعودية طالما أنها تواصل هجماتها غير القانونية في اليمن”.

بالتزامن مع تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش نشرت منظمة العفو الدولية تقريراً مماثلاً يكشف عن أنباء تفيد بتعرض الناشطات المحتجزات للتعذيب والتحرش الجنسي في السجون السعودية، وقالت منظمة العفو الدولية اليوم إنه منذ مايو 2018، احتجز، تعسفياً ودون تهمة في سجن ذهبان بالسعودية، العديد من النشطاء السعوديين، ومن بينهم نساء، وتعرضوا للتحرش الجنسي والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة أثناء الاستجواب.

 ووفقاً لثلاثة شهادات منفصلة حصلت عليها المنظمة، تعرض النشطاء للتعذيب بشكل متكرر بالصعق بالكهرباء والجلد، مما جعل البعض غير قادر على المشي أو الوقوف بشكل صحيح. وفي إحدى الحالات التي وردت، تم تعليق أحد النشطاء من السقف، وطبقاً لشهادة أخرى، فقد تعرضت إحدى المحتجزات إلى التحرش الجنسي، على أيدي محققين ملثمين.

 وقالت لين معلوف، مديرة البحوث في برنامج الشرق الأوسط بمنظمة العفو الدولية: “بعد أسابيع قليلة فقط من مقتل جمال خاشقجي الصادم، فإن هذه الأنباء المروعة التي تفيد بوقوع التعذيب والتحرش الجنسي وغير ذلك من ضروب المعاملة السيئة، إذا تم التحقق منها، ستكشف عن ارتكاب المزيد من الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان على أيدي السلطات السعودية، فهي مسؤولة بشكل مباشر عن سلامة هؤلاء النساء والرجال المحتجزين. ولم يقتصر الأمر على حرمانهم من حريتهم لشهور حتى الآن، لمجرد تعبيرهم عن آرائهم بشكل سلمي، فحسب، بل يتعرضون أيضا إلى معاناة جسدية مروعة”. ودعت لين معلوف السلطات السعودية الى إطلاق سراح المدافعين عن حقوق الإنسان المحتجزين لمجرد نشاطهم السلمي في مجال حقوق الإنسان فوراً ودون قيد أو شرط، وإجراء تحقيق سريع ووافٍ وفعال في تقارير التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، بهدف مساءلة المسؤولين عن ذلك.

 

في الأمم المتحدة

 في 12 أكتوبر دعا خبراء حقوق الانسان في الأمم المتحدة السلطات السعودية إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع النساء المدافعات عن حقوق الإنسان. وجاء ذلك في بيان مشترك لأكثر من 10 خبراء ومقررين أمميين بينهم المقرر الأممي الخاص بالمدافعين عن حقوق الإنسان، ميشيل فورست، والمعني بحرية الرأي والتعبير ديفيد كاي، والمعنية بالعنف ضد المرأة وأسبابه وعواقبه، دوبرافكا سيمونوفيتش. وأدان الخبراء بأشد العبارات الممكنة تصرفات المحاكم السعودية ضد النساء المعتقلات. وقال فريق الخبراء الأممي في بيانهم، إن الناشطة إسراء الغمغام اعتقلت في عام 2015 بسبب مشاركتها في مظاهرات سلمية مؤيدة للديمقراطية عام 2011، بالإضافة إلى كل من الناشطات سمر بدوي، ونسيمة السادة، ونوف عبد العزيز، ومايا الزهراني، وهتون الفاسي.