الإستثمارات السعودية في الولايات المتحدة: محاولة لتبييض انتهاكات حقوق الإنسان

المملكة العربية السعودية هي أكبر دولة في الشرق الأوسط وواحدة من أهم الشركاء الإستراتيجيين للولايات المتحدة في المنطقة، ومع ذلك، فإن المملكة تعتبر أيضاً أكبر منتهكي حقوق الإنسان، لا سيما في إسكات المعارضين السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان وكذلك الناشطين.

منذ أن أصبح محمد بن سلمان محمد بن سلمان ولي عهد المملكة العربية السعودية عام 2015، فقد حاول أن يقدم للعالم صورة للتحديث والديمقراطية مع سلسلة من التحركات مثل رفع حظر قيادة النساء وإطلاق رؤية 2030. ومع ذلك، تأثرت هذه الصورة إلى حد كبير عندما ربط تقييم وكالة الاستخبارات المركزية (CIA)  مقتل الكاتب في صحيفة واشنطن بوست جمال خاشقجي بولي العهد نفسه. على الرغم من أنّ هذا التقرير من الاستخبارات، أبدى رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب تردداً واضحاً في مساءلة بن سلمان أو قطع العلاقات مع المملكة العربية السعودية. أوضح الرئيس ترامب أن العلاقة التجارية بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية “تمثل مليارات الدولارات وآلاف الوظائف” – ولم يكن يبالغ.

منذ 25 مارس 2015، عندما أصبح الأمير محمد بن سلمان رئيساً لصندوق الاستثمارات العامة في المملكة العربية السعودية، استثمر الصندوق أكثر من 150 مليار دولار في شركات في جميع أنحاء العالم. باختصار، لقد استثمر 45 مليار دولار في مجموعة سوفت بنك (Softbank)، و 20 مليار دولار في مجموعة بلاك ستون (Blackstone)، وكلاتا الشركتين من مستثمري العيار الثقيل في مجال العقارات في مدينة نيويورك، بالإضافة إلى الاستثمار في شركات التكنولوجيا المتقدمة التي مقرها الولايات المتحدة مثل دور داش (DoorDash) ووي ورك (WeWork) وأوبر (Uber) وليفت (Lyft). علاوة على ذلك، مع حملة المملكة العربية السعودية لمكافحة الفساد بين العامين 2017-2019، تمكنت الحكومة السعودية من استرداد أكثر من 100 مليار دولار، بما في ذلك تقريباً إجمالي أصول الملياردير الأمير الوليد بن طلال، الذي لديه حصص كبيرة في تويتر(Twitter)، سناب شات (Snapchat)، ليفت (Lyft)، تايم وورنر(Time Warner) ونيوز كوربوريشن (News Corporation). وبعيداً عن الاستثمارات في الشركات، طورت المملكة العربية السعودية علاقات وثيقة مع مؤسسات أمريكية مرموقة مثل جامعة هارفارد، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وجامعة جورج تاون، ومراكز أبحاث السياسة الخارجية ومقرها العاصمة واشنطن.

استثمرت الحكومة السعودية أموالها بشكل استراتيجي من أجل إبراز صورة تقدّمية للمملكة في ثلاثة مجالات رئيسية: شركات التكنولوجيا المتقدمة والإعلام ومعالم المدن. عبر صندوق رؤية مجموعة سوفت بنك SoftBank Group))، استثمر صندوق الاستثمارات العامة السعودي في 50 أو 60 شركة في الغرب ويعتزم إعادة هذه الشركات إلى المملكة. ففي العام 2017، قام بتسوية صفقة بقيمة 4.4 مليار دولار مع وي ورك (WeWork)، وهي شركة ناشئة توفر مساحة عمل للأشخاص في جميع أنحاء العالم؛ وفي العام 2018، ساعد الصندوق تطبيق توصيل الأغذية دور داش DoorDash))، في جمع مبلغ 535 مليون دولار؛ وفي نفس العام، قام الصندوق بعملية شراء كبيرة للأسهم الموجودة في شركة أوبر (Uber) واكتسب حصة 5 ٪، ليصبح أكبر مساهم في الشركة. بالإضافة إلى الاستثمار الذي قامت به (Softbank)، استثمر صندوق الاستثمارات العامة السعودي حوالي 3.5 مليار دولار في أوبر (Uber) في العام 2016 ويملك 5 ٪ من حصصها. في سبتمبر 2018، وافق الصندوق أيضاً على استثمار مليار دولار في شركة لوسيد موتورز (Lucid Motors)، وهي شركة سيارات كهربائية ناشئة، ليصبح ليس فقط شريكاً مالياً لها، بل أيضاً “شريكاً استراتيجياً”. وبصرف النظر عن استثمارات الصندوق الحكومي، فإن الملياردير السعودي الأمير الوليد بن طلال قاد استثمارات بقيمة 247.7 مليون دولار في شركة ليفت (Lyft) في العام 2015، مما أدى إلى اكتساب  نسبة 2.3 ٪ من الشركة من قبل شركة الاستثمار التي يملكها، المملكة القابضة.  إلا أن هذه الأصول الشخصية تخضع الآن للموافقة النهائية للحكومة السعودية قبل اتخاذ أي قرارات استثمارية. وعليه، ومع كل الاستثمارات في شركات التكنولوجيا المتقدمة، تحاول الحكومة السعودية إقامة علاقة وثيقة مع صانعي التغيير الصاعدين في الغرب، وتحويل تركيز الناس عن انتهاكات حقوق الإنسان في المملكة إلى تحركاتها نحو التحديث.

بالإضافة إلى ذلك، قامت الحكومة السعودية أيضاً باستثمارات مدروسة في قطاع صناعة الإعلام، بما في ذلك منصات وسائل التواصل الاجتماعي والتكتلات الإعلامية التقليدية. حيث أن المملكة القابضة التي يمتلكها الأمير السعودي الوليد بن طلال هي أكبر مساهم في تويتر (Twitter) بحصة تبلغ 5.2٪ تقريباً منذ العام 2011، وحصة تبلغ 2.3٪ في سناب شات (Snapchat) منذ العام 2018. كما أنه يمتلك أيضاً حصة بنسبة 5٪ من تايم وورنر (Time Warner) و 5.5٪ من مردوخ نيوز كورب (Murdoch’s News Corp)، وهما اثنتان من التكتلات الإعلامية الستة التي تمتلك قطاع صناعة الإعلام بأكمله تقريباً في الولايات المتحدة.  كل هذه الاستثمارات والتي هي تحت إشراف الحكومة السعودية، يمكن استخدامها لتحويل التركيز العام بعيداً عن التغطية الإعلامية السلبية عن المملكة.

بصرف النظر عن الاستثمار في شركات التكنولوجيا وقطاع صناعة الإعلام، استثمر صندوق الاستثمارات العامة السعودي بشكل كبير في عقارات هوليوود ومدينة نيويورك. خلال رحلته إلى هوليوود عام 2018، وعد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان باستثمار مليارات الدولارات في شركات العيار الثقيل في هوليوود، مثل AMC و Endeavour، مباشرة بعد رفع حظر السينما الذي دام 35 عاماً في المملكة في مايو 2018. على الرغم من محاولة بن سلمان إبداء رغبته في تغيير الثقافة القمعية في المملكة العربية السعودية من خلال الاستثمارات الثقافية في هوليوود، فإن المدافعين عن حقوق المرأة الذين ناضلوا من أجل رفع الحظر المفروض على قيادة المرأة ما زالوا يتعرضون للتعذيب في السجن، ولا يزال التحالف الذي تقوده السعودية يقصف البنية التحتية المدنية في اليمن، ولا يزال 16 صحفياً على الأقل محتجزون في السجن بسبب محاولتهم الكشف عن الحقيقة. وبالمثل، في مدينة نيويورك، يعد سوفت بنك (Softbank) أحد أكبر أصحاب رأس المال الاستثماري في مجال العقارات وقد استثمر أكثر من 4.5 مليار دولار في المدينة. يمتلك الأمير الوليد بن طلال فندق بلازا وهو المالك المشارك لفنادق ومنتجعات فور سيزونز. مع زيادة الاستثمارات في شركات الترفيه في هوليوود والمعالم في مدينة نيويورك، تدمج المملكة العربية السعودية نفسها مع رموز المدينة من أجل صياغة تمثيل إيجابي للمملكة.

مع استمرار نمو الاستثمارات السعودية في الغرب يزداد نفوذ المملكة، لكن لا ينبغي أن يصبح ذلك وسيلة ضغط لإسكات المعارضة. يساورنا قلق عميق من أن نهج الحكومة السعودية في استخدام العلاقات العامة لتبييض انتهاكات حقوق الإنسان يسمح لدول مثل الولايات المتحدة بالتغاضي عن انتهاكات حقوق الإنسان المستمرة في المملكة من أجل رؤية 2030 والاستثمارات المستقبلية.