لجين الهذلول: شاهدة حية على التعذيب وتزييف حقيقة الإنتهاكات داخل السجون السعودية

 كثيرات هنّ المعتقلات المعذبات المتضطهدات في السجون السعودية اللواتي لا زال مصيرهن مجهولاً على الرغم من إثارة قضاياهن في الأمم المتحدة وعبر المناشدات الحقوقية لممارسة الضغوط على السلطات السعودية لإطلاق سراحهن أو تحديد مصيرهن على الأقل، ولعل ما أثير مؤخراً في الدورة الثانية والأربعين لمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة حول المعتقلة لجين الهذلول من قبل أختها لينا الهذلول خلال بيان مشترك أدلت به مجموعة من الدول لمطالبة السعودية بتحسين سجلها في مجال حقوق الإنسان، أعاد قضايا المعتقلات إلى الواجهة أو رسّخ تلك المطالب المحقة، من بينها دعوة صريحة وجهتها لينا لمجلس حقوق الإنسان لمساعدتها على إطلاق سراح أختها فوراً ومحاسبة من عذبوها، في حين لم يقدم موقف ولي العهد السعودي محمد بن سلمان حول اعتقال لجين، في مقابلة متلفزة له، أي جديد على صعيد إطلاق سراحها سوى وعود مزعومة بمتابعة القضية.

خلفية

لجين الهذلول هي ناشطة حقوقية دعمت علناً إنهاء حظر قيادة النساء للسيارات في المملكة منذ عام 2011. اشتهرت لُجين بمواقفها المناوئة لبعض القوانين المعمول بها في المملكة العربية السعودية، ومنها حظر قيادة المرأة للسيارة، وولاية الرجل على المرأة، وقد تعرضت الهذلول للسجنِ أكثر من مرة، بسبب مواقفها وآرائها المدافعة عن حقوق المرأة السعودية.

 في 30 نوفمبر 2014، عَبَرت الهذلول، التي تملك رخصة قيادة إماراتية سارية، من أبو ظبي إلى الحدود السعودية، حيث التقت بها ناشطة سعودية أخرى، ميساء العمودي.  صادرت السلطات جواز سفرها، واحتجزتها طوال الليل عند معبر البطحاء الحدودي، ثم نقلتها إلى مركز أحداث للفتيات. بعد احتجازها مع العمودي مدة 73 يوما، أطلقت السلطات سراحها في 13 فبراير 2015.

كانت الهذلول من أوائل مَن ترشحن لمقعد في المجلس البلدي خلال انتخابات نوفمبر 2015، لكن لم يُدرج اسمها مطلقا في ورقة الاقتراع. اعتُقلت ثانية واحتُجزت لفترة في 4 يونيو 2017. أُطلق سراحها في 7 يونيو من دون توجيه اتهام.

في 7 يونيو 2017، اعتقلت الهذلول في مطار الدمام ونقلت الى الرياض للاستجواب.  لم يتم الإعلان عن سبب اعتقالها.

 وقبل أسابيع فقط من رفع الحظر على القيادة في 24 يونيو 2018، اعتقلت السلطات السعودية الهذلول ونشطاء آخرين في حملة حكومية جدية ضد حركة حقوق المرأة. اتهمتهم السلطات بجرائم خطيرة مثل “الاتصالات المشبوهة مع أطراف اجنبية” ومحاولة زعزعة الأمن والاستقرار في الدولة. وهنا شنت وسائل الإعلام المتحالفة مع الحكومة حملة تنذر بالخطر ضدهم وتصفهم بأنهم “خونة”، وأثير القلق هنا أنه في حال تم اتهامهم ، فقد تواجه الهذلول وغيرها من المعتقلين عقوبة السجن لمدة تصل إلى 20 عاماً.

في 5 فبراير 2019، أعلنت النائبة الكندية هيلين لافيرديير أنها رشحَّت لجين الهذلول لجائزة نوبل للسلام لهذا العام، وقالت في تصريحٍ لها: «إن لجين الهذلول كرست حياتها لتحقيق المساواة في الحقوق للنساء في بلدٍ معروف بتعدياته على حقوق الإنسان ومعاملته النساء كمواطنات من الدرجة الثانية».

 

إطلاق سراحها بيَد مَن؟

في 30 سبتمبر الفائت علّق ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على قضية اعتقال لجين الهذلول مدعياً أن قرار إطلاق سراح لجين الهلول وباقي الناشطات لا يعود له، بل للمدعي العام، وزعم أنه سيتابع الأمر بنفسه.

وخلال حوار عبر برنامج بثته شبكة CBS الإخبارية الأمريكية، لم يقدم بن سلمان تبريراً واضحاً حول سبب اعتقال الناشطات اللواتي ناضلن من أجل حقوق النساء وقيادة المرأة للسيارات وحرية السفر، بل بدا واضحاً من خلال الحوار التناقض بين تعهده بالتغيير والإصلاح على مختلف الصعد واستمرار حملة القمع ضد الناشطات المدافعات عن حقوق الإنسان والمناديات بالتغيير والإصلاح.

ورداً على موقف محمد بن سلمان اشتكى شقيق الناشطة السعودية المعتقلة لجين الهذلول في مقابلة له عبر قناة CNN من عدم استجابة السلطات السعودية لشكاوى رفعت مراراً من لجين ووالديها إلى النائب العام، وهيئة حقوق الإنسان في المملكة. وقال وليد الهذلول إن النائب العام السعودي وصل إلى نتيجة مفادها أن لجين لم يُمارس التعذيب بحقها، معبراً عن حزنه للجوء إلى وسائل الإعلام لإيجاد حل لهذه القضية. وكانت أسرة لجين الهذلول أعلنت أنها رفضت عرضاً بالإفراج عنها، مقابل بيان مصور بالفيديو تنفي فيه تعرضها للتعذيب أثناء احتجازها.

دعوات أممية لإطلاق سراحها

في السابع والعشرين من سبتمر 2019 دعا خبراء من الأمم المتحدة إلى إطلاق سراح لجين الهذلول، بعد مرور 500 يوم على اعتقالها حتى تاريخ توجيه البيان. وفي بيان صادر عن مجموعة مؤلف من 15 خبيراً مستقلاً – وهم المقررون الخاصون وأعضاء الفريق العامل للأمم المتحدة المعني بمسألة التمييز ضد المرأة في القانون والممارسة عبّروا أنّ لجين الهذلول “التي احتُجزت لأسباب أمنية وطنية زائفة، كان لها دور فعال في الحركة التي سمحت للنساء بقيادة السيارات والدفع لإنهاء قوانين الوصاية الذكورية”.

أشار الخبراء إلى أن المملكة العربية السعودية حظيت بالثناء على نطاق واسع من قبل المجتمع الدولي، لجهودها الأخيرة لإصلاح التشريعات التمييزية في هذه المجالات.

وقال الخبراء، “إنه لنفاق مثير للصدمة أن تظل السيدة الهذلول في السجن لقيامها بحملات لتغيير القوانين التي تم تعديلها منذ ذلك الحين. في الواقع، لم يكن يجب أن تُسجن في المقام الأول لممارستها حقوقها الأساسية في حرية التعبير والتجمع السلمي وتكوين الجمعيات”.

وأضافوا أنه “على الرغم من التحسينات الأخيرة في قوانين الوصاية على الذكور في المملكة العربية السعودية، من الضروري ألا يغفل العالم عن المخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان التي لا تزال قائمة في البلاد، حيث استمر المدافعون عن حقوق الإنسان في التعبير عنها”.

وكان خبراء حقوق الإنسان التابعون للأمم المتحدة، قد أعربوا عن مخاوفهم أمام الحكومة السعودية بشأن الحملة على المدافعات عن حقوق النساء، في عدد من المناسبات.

في 23 سبتمبر وعلى هامش أعمال الدورة الثانية والأربعين في مجلس حقوق الإنسان في جنيف دعت لينا الهذلول شقيقة المدافعة عن حقوق الإنسان لجين الهذلول، مجلس حقوق الإنسان إلى مساعدتها على تأمين الإفراج عن أختها فوراً ومحاسبة من عذبوها من بينهم سعود القحطاني المستشار السابق في الديوان الملكي السعودي.

دعوة لينا أتت أثناء بيان وجهته مجموعة الدول من بينها أستراليا معربةً عن قلقها إزاء التقارير المستمرة عن التعذيب، الاحتجاز التعسفي، الاختفاء القسري، المحاكمات غير العادلة ومقتل جمال خاشقجي. هذه المجموعة من الدول دعت المملكة العربية السعودية للحفاظ على أعلى المعايير فيما خصّ تعزيز وحماية حقوق الانسان وللتعاون الكامل مع المجلس.

حقائق مروعة عن التعذيب

في 22 فبراير2019 وفي مقابلة أجرتها معه صحيفة الإنتبندنت البريطانية كشف شقيق لجين الهذلول “وليد الهذلول” عن تعرّض شقيقته للتعذيب والتحرش الجنسي على أيدي جلاديها، وأن وضعها الصحي يزداد سوءاً مما قد يؤدي إلى صعوبة علاجها مع الوقت.

وفي تفاصيل جديدة حول وقائع تعذيب شقيقته، أوضح أنّها تعرضّت للجلد والضرب والصعق بالكهرباء، فيما كان الرجال الملثمون يوقظونها أحياناً في منتصف الليل وسط صرخات الوعيد والتهديد. وأكد وليد أن عائلته وكذلك منظمة “هيومن رايتس ووتش” شددوا خلال الأشهر الأخيرة، على أنها تعرضت هي والمعتقلات الأخريات للتعذيب والتحرش الجنسي في السجن. وأنّ الهذلول أخبرت والديها أنها احتجزت في الحبس الانفرادي، وتم ضربها، وتعذيبها بغمرها بالمياه، والصعق بالصدمات الكهربائية، والتحرش الجنسي، والتهديد بالاغتصاب والقتل.

وبيّن وليد الهذلول، إن الأسرة حاولت الإتصال بعدد من الهيئات الحكومية بشأن احتجاز شقيقته، لكنهم لم يُعطوا أي معلومات واضحة، وإن العائلة لا تعرف مكان تواجد ابنتهم.

وقال الهذلول: “لم نفكر قط في أنه سيكون هناك معاملة وحشية وتعذيب. لم نكن نعرف كل هذا الجنون حتى نوفمبر من العام الماضي، ثم بدأت في إعلام والدي بجميع المعلومات التي حصلت عليها حول الانتهاكات التي تتعرض لها لجين. رأينا أن يديها كانت ترتعش، ورأينا علامات التعذيب والحروق والكدمات على رجليها، وضع أحد المحققين ساقيه على ساقي أختي تماما كما يضع الشخص ساقيه على الطاولة. وكان يدخن ويضرب بيديه أمام وجهها”.

ولفت وليد الهذلول، إلى أن أخته تقدمت بشكوى عن تعذيبها عندما كانت في سجن ذهبان، وهو سجن ذو حراسة مشددة بالقرب من جدة، لكن الشكوى لم تمرر.  كذلك تقدمت بشكوى أخرى في سجن الحائر، بالقرب من العاصمة الرياض، حيث يعتقد بأنه يتم احتجازها حالياً، لكن الإدارة لم تصدر بعد رقما مرجعيا بالشكوى من أجل التظلم آنذاك. وأشار أيضاً إلى أن وفداً من الهيئة الحكومية السعودية لحقوق الإنسان ذهب إلى زيارتها بعد نشر تقارير عن تعذيبها.

كما وغرّد شقيق المعتقلة، “وليد الذهلول”، على صفحته في تويتر قائلاً “طرقت أبواب الإعلام السعودي حتى اتحدث عن الحالة التي تمر بها أختي لجين في السجن لكن لا حياة لمن تنادي”.

وأضاف: “أنا قلق عليها، لأننا بتنا لا نحصل على أي رد رسمي. من الممكن أن يزداد وضعها سوءا. لقد أثار غياب الشفافية العديد من إشارات الاستفهام حول العدالة وسيادة القانون”.

تصريحات وليد الهذلول حول أساليب التعذيب التي تتعرض لها شقيقته لم تكن التصريحات الأولى التي تصدر عن عائلة لجين، فسبق وأن نشرت شقيقتها علياء الهذلول مقالاً في صحيفة نيويورك تايمز أفصحت خلاله عن معلومات حول الإنتهاكات التي تتعرض لها أختها في المعتقل، كالضرب والإيهام بالغرق والصدمات الكهربائية، مشيرة إلى أن المستشار السابق بالديوان الملكي سعود القحطاني هددها شخصيا بالقتل.

ولفتت علياء الهذلول إلى ملابسات اعتقال شقيقتها، حيث اتصلت بها عائلتها لتخبرها بأن السلطات السعودية اعتقلت لجين في الرياض برفقة خمس ناشطات أخريات بتهمة الخيانة. وقد نقلت صحيفة مقربة من النظام عن مصادرها أن هؤلاء النساء سوف يتم إصدار أحكام بشأنهن تصل إلى 20 عاماً من السجن، أو حتى الإعدام.

وخلال المكالمات الهاتفية التي جمعت بين الشقيقتين منذ اعتقال لجين وحتى شهر سبتمبر 2018، أفادت الأخيرة بأنها محتجزة داخل غرفة فردية في أحد الفنادق.

وأضافت أنه في منتصف شهر أغسطس، نُقلت لجين إلى سجن ذهبان في جدة، وسُمح لوالدها بزيارتها مرة واحدة كل شهر. وذكرت علياء أن ملاحظات والدها كانت تتمحور حول ارتعاشها بشكل مستمر وعدم قدرتها على التحكم في قبضة يدها أو المشي أو الجلوس بشكل عادي، لكن أختها أصرت على أن ذلك بسبب برودة الجو من التكييف، لطمأنة عائلتها.

وأوضحت الكاتبة أن شقيقتها انهارت خلال شهر ديسمبر المنصرم وأعربت باكية عن ألمها ومعاناتها من عمليات التعذيب التي تعرضت لها خلال الفترة الفاصلة بين شهري مايو أغسطس 2018، أي خلال الفترة التي كان يُمنع على والديها زيارتها.

وكشفت علياء إلى أن المستشار السابق في الديوان الملكي السعودي سعود القحطاني، كان حاضراً خلال بعض عمليات تعذيب لجين الهذلول. ولم يقتصر الأمر على الإشراف على عمليات التعذيب فحسب، بل هددها أيضاً بالاغتصاب والقتل وإلقاء جثتها في مجاري الصرف الصحي. وذكرت لجين أنها تعرضت للتعذيب طوال الليل خلال شهر رمضان من ستة رجال تابعين للقحطاني وأن رجال القحطاني كانوا يجبرونها على تناول الطعام خلال فترات صيام شهر رمضان، مما دفعها لسؤالهم حول ما إذا كانوا سوف يواصلون تناول الطعام كامل اليوم في رمضان، ليجيبها أحدهم قائلا: “لا أحد أعلى منا، ولا حتى الله”.

وقالت علياء الهذلول إن “العديد من المنظمات الحقوقية زارت شقيقتها في السجن، لكن الصحف السعودية نشرت صورتها واسمها ووصفتها بالخائنة”، معربة عن قلقها وترددها عن الكتابة حول لجين خوفاً من إمكانية التسبب في مزيد من الضرر لشقيقتها. وفي ظل حظر السفر على والدي لجين، “تأمل العائلة السعودية في رؤية ابنتها الشجاعة حرة طليقة”

وفي نوفمبر 2018، أكدت منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس واتش تعرض عددٍ من نشطاء حقوق الإنسان السعوديين، من بينهم عدد من النساء، للتحرش الجنسي والتعذيب وغيرها من الإساءات أثناء التحقيق منذ اعتقالهم التعسفي في مايو 2018. وفق هذه الشهادات المنفصلة، قام مسؤولون في سجن ذهبان بتعذيب النشطاء المحتجزين بالصعق الكهربائي والجلد، إذ أصبح بعضهم يجد صعوبة في المشي، ويعاني من ارتعاشٍ في الأيدي، وعليهم آثار تعذيب بارزة على أجسامهم.

منظمة القسط بدورها تؤكد تعرض الناشطات لجين الهذلول وسمر بدوي، شدن العنزي، عزيزة اليوسف، إيمان النفجان، ونوف عبد العزيز الدوسري، لتعذيبٍ شديد ووحشي وتحرش جنسي:

  • اعتقلن جميعهن بمداهماتٍ على منازلهن، وتم تسليط كشافات إضاءة عليهم وتوجيه الأسلحة عليهن. أخذِتْ لجين الهذلول بشكل مرعب من فراشها من غرفة نوم في منزل والدها في الرياض. سمر بدوي بقيت في الشارع منذ الواحدة صباحا حتى الثالثة صباحاً تحمل طفلتها جود (أربع سنوات) تحت حراسة وإضاءة ساطعة والأسلحة موجهة لها وهي واقفة وتحمل طفلتها. حتى أتت والدة الناشط وليد أبو الخير (جدة جود) وأخذت الطفلة.
  • صُوِّرت إحداهن على الأقل وهي عارية وَعُرِضت الصورة أمامها على الطاولة أثناء التحقيق. تعرّضت واحدة منهن على الأقل لتحرش جنسي جسدي بواسطة حارِسات السجن، وضُرِبَت وَلُمِسَت في أماكن حساسة. عُرِّيَت تمامًا واحدة منهن، على الأقل، أمام عدد من المحققين ولُمِسَت في أماكن حساسة بينما هي مكبلة بالأصفاد، وسئلت أسئلة ساخرة مثل، “من سيحميك الآن؟”، “أين هي المنظمات الحقوقية عنك؟”، و”أين هم المدافعون عن حقوق الإنسان ليساعدوك؟” وقيل لأخرى، “أين هو ربّك ليحميك؟
  • تعرضت إحداهن على الأقل للتعذيب النفسي، إذ قيل لها أن أحد أفراد عائلتها قد توفي، وأنهم حريصون على إنهاء التحقيق معها حتى تتمكن من رؤية جثته قبل دفنها.
  • استخدمت السلطات والد أحد النساء لتصوير مقاطع فيديو ضدها لتشويه سمعتها. كما استخدمت آخر ليشهد ضد ابنته ويبدي انحيازه للسلطات حتى بعد علمه بتعرضها للتعذيب.
  • تم تسمية موقع التعذيب بـ “الهوتيل” أو “دار ضيافة الضباط”.