التقرير السنوي السادس للأمانة العامة للتظلمات وسيلة لتبييض انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين

في 3 أكتوبر 2019، أطلقت الأمانة العامة للتظلمات تقريرها السنوي السادس، تظهر فيه العجز المستمر لمساءلة مرتكبي الإنتهاكات. يشمل التقرير في الفترة الممتدة من مايو 2018 حتى أبريل 2019، متابعة للشكاوى المقدمة والإجراءات المتخذة من الأمانة العامة للتظلمات للتحقيق ومعالجة هذه الشكاوى. وكما في الأعوام السابقة، غالباً ما تحال الشكاوى إلى الأجهزة المختصة، بل إن عدداً أقل من ذلك يحال للملاحقة الرسمية. وهذا ما يشجع أعضاء وزارة الداخلية على مواصلة إرتكاب الإنتهاكات، مما يزيد من ثقافة الإفلات من العقاب في المملكة. وتشدد منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين على أن الأمانة العامة للتظلمات في وزارة الداخلية في البحرين ليست مستقلة وغير قادرة على الوفاء بولايتها، وتدين كذلك التقرير السنوي الذي يعد وسيلة لتبييض سمعة الأمانة العامة للتظلمات.

وتبين الإحصاءات الواردة في تقرير 2018/2019 إستمرارية فشل مكتب الأمانة العامة للتظلمات بمعالجة ثقافة الإفلات من العقاب في البحرين بسبب سوء السلوك الرسمي. ووفقاً لما ذكرته الأمانة العامة للتظلمات، تلقت المؤسسة مجموع 1,067 شكوى وطلب للمساعدة خلال الفترة المشمولة بالتقرير، طرأ إنخفاض طفيف عن 1,094 شكوى وردت في الفترة 2017/2018 و1,156 شكوى في الفترة 2016/2017. ومن المرجح ألا يكون هذا الإنخفاض نتيجة لعدد أقل من التجاوزات التي تحدث، بل أنه قد تسبب بدلاً من ذلك في الخوف من الإنتقام إذا قدمت شكوى إلى الأمانة العامة للتظلمات وفي إنعدام الثقة بقدرة المؤسسة على أن يكون لها أثر إيجابي.

وقد قدمت الأغلبية العظمى من الحالات من قبل أفراد في الفترة المشمولة بالتقرير 2018/2019 مع 78 قضية من منظمات دولية و7 منظمات محلية. ولم تطلق الأمانة العامة للتظلمات أي قضايا بمبادرة منها، مما يؤكد تردد المؤسسة المستمر في القيام بدور أكثر فعالية في التحقيق في إنتهاكات الشرطة. ومن مجموع القضايا البالغ 1,067 قضية، لم “تحال إلى الهيئات المختصة” سوى 70 قضية لإحتمال إتخاذ إجراءات تأديبية بشأنها؛ ومن بين هذه القضايا، أحيلت تسع قضايا إلى وحدة التحقيقات الخاصة التابعة للادعاء العام في وزارة العدل والشؤون الإسلامية، وهي الجهة المسؤولة عن رفع قضايا إساءة معاملة الشرطة فعلياً إلى المحاكم، وأحيلت قضية واحدة إلى مكتب المدعي العام. كما أُحيلت القضايا الـ 60 المتبقية إلى فرع الإنضباط الداخلي في وزارة الداخلية -المعروف بإسم نظام محكمة الأمن –الذي ذكر أنه منع من التعامل مع حوادث الاعتداء الشديد مثل “التعذيب والمعاملة اللاإنسانية أو المهينة أو الوفيات المرتبطة بها” منذ عام 2012، بسبب مخاوف تتعلق بالتحيز وعدم الشفافية. وعلى هذا النحو، تكشف هذه الأرقام أن مكتب الأمانة العامة للتظلمات سعى إلى إتخاذ تدابير جدية للمساءلة عن الإنتهاكات الجسيمة للحقوق بنسبة 1 % من القضايا التي رفعت خلال العام الماضي، متجاوزاً نسبة 3% التي كانت موجودة في الفترة السابقة. بالإضافة إلى ذلك، فمنذ تأسيس وحدة التحقيق الخاصة،  لم تحِل إلا 4 بالمئة من مجموع القضايا التي تلقتها إلى المحاكم الجنائية المدنية، أي أنه من بين الحالات التسع التي أحالها مكتب الأمانة العامة للتظلمات لعام 2018/2019 ، أي أنه من غير المحتمل أن يكون هناك أي نية للمحاكمة.

ويتجاهل تقرير الأمانة العامة للتظلمات تقديم أي تحليل أو إتجاهات للإساءات، أو أحداث محددة وقعت خلال الفترة المشمولة بالتقرير. ومن المحتمل أن يرتبط العدد المرتفع من الشكاوى المقدمة في يوليو 2018، الذي بلغ الضعف تقريباً بالمقارنة مع 58 شكوى قدمت في الشهر السابق، إلى إنقطاع المياه المتكرر الذي حدث في سجن جو خلال ذلك الوقت. وبدأ إنقطاع المياه في سجن جو في 9 يوليو 2018 في عدة مبان، منها المبنى 17 الذي يضم سجن الحوض الجاف الجديد، وهو القسم المخصص في السجن للمدانين الذين تقل أعمارهم عن 21 عاما. وأفادت التقارير بأن إنقطاع المياه إستمر 36 ساعة. ولاحظ الضحايا أن هذه الإنقاطاعات أثرت على مياه الشرب فضلاً عن مياه الإستحمام ودورات المياه، مما أسهم في ظروف غير صحية وإنتشار الأوبئة والأمراض الجلدية. وإستمر إنقطاع المياه طوال شهر أغسطس، على الرغم من أن البحرين تشهد درجات حرارة عالية تتراوح بين 32 و39 درجة مئوية، مع مؤشر حراري يتراوح بين 38 و45 درجة مئوية. وذكر السجناء أيضا أنهم يحصلون على كوب ماء واحد فقط للشرب في اليوم، وأن الماء يجري إلى المباني لمدة ساعة واحدة فقط في اليوم.

وبالإضافة إلى ذلك، يمكن أن ترتبط بعض الشكاوى في سبتمبر 2018 بتزايد أعمال القمع في البحرين في ذكرى عاشوراء، حيث قدمت 94 شكوى. وعطلت شرطة مكافحة الشغب مسيرة عاشوراء في 21 قرية وألقي القبض على عدة أفراد للمشاركة في ذكرى عاشوراء. وتعرض المحتجزون أيضاً للتمييز والعقاب لمحاولتهم المشاركة في مراسم ذكرى عاشوراء، بما في ذلك المعتقلة السياسية هاجر منصور، التي حرمتها سلطات السجن من إمكانية مغادرة زنزانتها مع زميلاتها في الزنزانة للمشاركة في أنشطة دينية في السجن، ويُزعم أن الحراس ضربوها في وقت لاحق.

 

الإنتهاكات

خلال الفترة التي شملها التقرير، انتهكت إدارة الأمانة العامة للتظلمات مرتين مبدأ السرية فيما يخص قضية هاجر، رغم أنه من المفترض “ضمان السرية الكاملة.. أثناء التحقيقات، ووفقاً للقانون لا يمكن لأيّ كان الحصول على التفاصيل أو الكشف عنها بأي طريقة كانت. في أغسطس 2018، أشرك الأمين العام للتظلمات السكرتير الأول للسفارة البحرينية في لندن “فهد البنعلي” ووزير الشؤون الخارجية في البلاغات المتعلقة بقضية هاجر من دون رضا مسبق من صهرها-الذي قام بتقديم شكوى نيابة عنها. وبعد ذلك، أي في مارس 2019، نشرت السفارة البحرينية في لندن سلسلة من التغريدات، المحذوفة حالياً، تشمل المراسلات التي حصلت بين صهرها والأمانة العامة للتظلمات فيما يتعلق بإدعاءات المعاملة المهينة لهاجر إلى جانب الكشف عن كافة عناوين البريد الإلكتروني الموجودة في المراسلات مما يسفر عن انتهاك لمبدأ السرية.

لم يقم أمين التظلمات بمعالجة العديد من الشكاوى بشكل كاف بما في ذلك شكاوى السجين السياسي، حسن مشيمع، البالغ 71 عاماً من العمر والذي يقضي عقوبة بالسجن مدى الحياة في سجن جو بسبب مشاركته في الحراك الديمقراطي لعام 2011. قام مشيمع بالإعراب عن قلقه إزاء ما يواجهه من حرمان من الحصول على الرعاية الطبية الملائمة ومن الزيارات العائلية إضافة إلى مصادرة الكتب وغيرها من مواد القراءة. وجاء في تصريح الأمانة العامة للتظلمات بشكل علني أن مشيمع هو من رفض حضور المواعيد والزيارات بسبب سياسة السجن التي تقضي بأن يكون مكبلاً- وهي سياسة تعتبرها هيومن رايتس ووتش مهينة بحق الأفراد. وفي حين تم اتخاذ الترتيبات اللازمة له لحضور بعض المواعيد دون التكبيل، إلا ان هذا لا ينطبق على كافة المواعيد اللازمة أما فيما يتعلق بسياسة التكبيل أثناء الزيارات العائلية فقد بقيت على حالها. علاوة على ذلك، خلص الأمين العام للتظلمات إلى أنه كان يحق لمشيمع الحصول على كتابين فقط في الوقت نفسه داخل الزنزانة إلا انه كان يملك الكثير منها في وقت سابق.

وتجاهل الأمين العام للتظلمات ايضاً المخاوف بشأن ظروف احتجاز الأب وابنه هاني وحسين مرهون. فقد قدّم المعتقل هاني مرهون العديد من الشكاوى إلى جانب إرسال الكثير من الرسائل منذ أغسطس 2018 ولم يتلق أي رد عليها. تتعلق هذه الشكاوى بالتعذيب المستمر وانتهاكات حقوق الإنسان الدولية والمحلية داخل سجن جو كالاكتظاظ والإفتقار للأسرّة. لم يكتفي هاني بهذا فقط إنما قام هو وعائلته منذ عام 2017 بالمطالبة وبتقديم شكاوى لدى مكتب أمين التظلمات فيما يتعلق بالحبس الإنفرادي غير المبرر والتعذيب والضرب وغيرها من الانتهاكات.

وفي حين تلقى مرهون رداً من أمين التظلمات بعد قيام ADHRB بنشر رسالة تختص بقضيتهم، رفض أمين التظلمات جميع الادعاءات وبالتالي لم تتحسن ظروفهم.

إن فشل هذه المؤسسات في الإستجابة للمطالب في الوقت المناسب وبطريقة مناسبة يضاعف المخاوف العامة بشأن استقلالية الأمانة العامة للتظلمات ولطالما ردد المجتمع الدولي وتحدث عن هذه المخاوف. ففي المراجعة التي أجرتها لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب في البحرين عام 2017، انتقدت اللجنة أمين التظلمات خاصة مع التعبير عن مخاوفها بالقول “هذه الهيئات مستقلة وان ولاياتها غير واضحة ومتداخلة وانها ليست معّالة نظراً إلى أن الشكاوى تمر في النهاية عبر وزارة الداخلية”.

في الآونة الآخيرة، ظلت الأمانة العامة للتظلمات صامتة أمام حكم إعدام ضحيتا التعذيب علي العرب وأحمد الملالي الذي نُفذ في يوليو 2019 وكانت قد تمت إدانتهما في محاكمة جماعية. لم يعلّق المكتب على هذه القضية وقام بإصدار بيانات علنية حول الإضراب عن الطعام في سجن جو التي جرت احتجاجاً على الظروف السيئة، وحول عبد الجليل السنكيس الذي  شكل تهديداً لموقع الحكومة ورفض مزاعم ارتكاب المخالفات.

وفي نهاية المطاف، يفتقر التقرير السنوي السادس للأمانة العامة للتظلمات إلى أي مواد، ويؤكد تحليل إحصاءات المؤسسة ذاتها عدم قدرتها أو عدم رغبتها في مكافحة الإفلات من العقاب لمساءلة وحشية الشرطة وسوء سلوك الضباط في البحرين. ويفتقر المكتب إلى الفعالية على نحو خطير، ويتزايد الدليل على تواطئه المباشر في انتهاكات حقوق الإنسان من ثقافة الإفلات من العقاب. تدين منظمة أميركيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين إفتقار الأمانة العامة للتظلمات إلى الإستقلالية وعدم قدرتها على الوفاء بولايتها، وندعو حكومة البحرين إلى اتخاذ تدابير جديدة فوراً تنبثق عن حسن النية لمساءلة المسؤولين عن انتهاكاتهم.