السعودية تستمر في تبييض انتهاكاتها لحقوق الإنسان عبر إصلاحات غيّبتها رؤية 2030

في إطار سياسة التبييض والتعتيم على انتهاكات حقوق الإنسان في السعودية، أشار رئيس هيئة حقوق الإنسان في السعودية د. عواد بن صالح العواد يوم الإثنين إلى 60 قراراً إصلاحياً سيُنفذ لتعزيز حقوق الإنسان، 22 قراراً منها تختص بحقوق المرأة، وذلك خلال لقائه مع سفير الولايات المتحدة الأميركية جون أبي زيد، في اجتماع انضوى تحت هدف تعزيز التعاون في مجال حقوق الإنسان ولكن دون التطرق إلى انتهاكات حقوق الإنسان المتزايدة في الآونة الأخيرة في المملكة.

وبرّر العواد سعي المملكة لحماية وتعزيز حقوق الإنسان، وطموحها لتكون من بين 36 دولة التزمت بذلك من مجموع الدول الأطراف البالغ عددها 197 دولة، عبر اعتماد رؤية 2030 التي أنشأها الأمير محمد بن سلمان مع بداية ولايته إلّا أن تلك الرؤية لم تأتِ على ذكر إصلاح وضع حقوق الإنسان أو الإصلاح الديمقراطي في المملكة. فبدون إصلاح قضايا حقوق الإنسان الرئيسية، لا يمكن لتلك الرؤية أن تؤدي إلى الاستقرار.

 على الرغم من استمرار استخراج النفط والغاز في المملكة العربية السعودية وكونها موطناً لأكبر شركة نفط في العالم، أرامكو، لا تزال تعتبر مكان غير مستثمر إقتصاديأ. كان صعود محمد بن سلمان إلى المراتب العليا للسلطة السياسية في الرياض إشارة للبعض على أن التحول بين الأجيال يلوح في الأفق في بلد يشتهر بتقاليده وتراثه وبيئته المحافظة. في الواقع، فإن خطته “رؤية 2030” المتقدمة ظاهرياً هي مجرد محاولة لتبييض الانتهاكات في المملكة مع بناء الاقتصاد في وقت واحد.

تدعي “رؤية 2030” أنها تسعى من أجل “أن تصبح المملكة العربية السعودية قوية ومزدهرة ومستقرة وتوّفر فرص للجميع”، لكن الخطة لم تذكر حقوق الإنسان أو الإصلاح الديمقراطي.

حقوق المرأة

يعتقد البعض أنه حدث تحول طفيف في مواقف الأسرة الحاكمة السعودية تجاه المرأة، بدءاً من التغيير في سياسة الحكومة المتعلقة بحق المرأة في القيادة. يُزعم أن زيادة المساواة بين الجنسين جزء من “رؤية 2030”، حيث يُنظر إلى النساء على أنها عنصر أساسي في التوسع الاقتصادي. وتهدف “رؤية 2030” إلى زيادة مشاركة المرأة في القوى العاملة من 22 في المئة إلى 30 في المئة، وكذلك إعطاء المرأة الحق في الانضمام إلى الجيش.

ومع ذلك، على الرغم من هذه الفرص الجديدة الممنوحة للمرأة، تبقى مكانتها في المجتمع السعودي مكانة مواطن مهمش من الدرجة الثانية. فإنّ نظام الوصاية الذكورية يواصل تهميش النساء السعوديات في المملكة العربية السعودية، مما يتطلب منهن الحصول على إذن من ذكر، عادة ما يكون الزوج أو الأب، للقيام بحقوقهن الطبيعية مثل التعليم العالي أو السفر.

بالإضافة إلى ذلك، فإن رفع حظر القيادة لا يُظهر أن المملكة العربية السعودية تتخذ خطوة صحيحة بإتجاه حقوق المرأة والحداثة. كان دافع رفع الحظر بالأساس لأسباب اقتصادية، وإنّ اعتقال اللواتي دافعن عن الحق في قيادة السيارة قبل أسابيع فقط من رفع الحظر توضح المآرب الحقيقية لهذا القرار وهي محاولة أخرى لتبييض انتهاكات المملكة. وكان من بين المدافعات عن حقوق المرأة لجين الهذلول التي لا زالت معتقلة لدى السلطات السعودية وتتعرض لأبشع أنواع التعذيب علماً أن الأمير محمد بن سلمان وعد في مقابلة صحافية أنه سيتابع أمر لجين وباقي المعتقلات بنفسه سعياً لإطلاق سراحهن، وهذا ما لم يحدث حتى الآن.  وتؤكد مصادر حقوقية تعرضّ كلّ من لجين الهذلول وسمر بدوي، شدن العنزي، عزيزة اليوسف، إيمان النفجان، ونوف عبد العزيز الدوسري، لتعذيبٍ شديد ووحشي وتحرش جنسي:

–    اعتقلن جميعهن بمداهماتٍ على منازلهن، وتم تسليط كشافات إضاءة عليهم وتوجيه الأسلحة عليهن.

– أخذِتْ لجين الهذلول بشكل مرعب من فراشها من غرفة نوم في منزل والدها في الرياض. –  – سمر بدوي بقيت في الشارع منذ الواحدة صباحا حتى الثالثة صباحاً تحمل طفلتها جود (أربع سنوات) تحت حراسة وإضاءة ساطعة والأسلحة موجهة لها وهي واقفة وتحمل طفلتها. حتى أتت والدة الناشط وليد أبو الخير (جدة جود) وأخذت الطفلة.

–    صُوِّرت إحداهن على الأقل وهي عارية وَعُرِضت الصورة أمامها على الطاولة أثناء التحقيق. تعرّضت واحدة منهن على الأقل لتحرش جنسي جسدي بواسطة حارِسات السجن، وضُرِبَت وَلُمِسَت في أماكن حساسة. عُرِّيَت تمامًا واحدة منهن، على الأقل، أمام عدد من المحققين ولُمِسَت في أماكن حساسة بينما هي مكبلة بالأصفاد، وسئلت أسئلة ساخرة مثل، “من سيحميك الآن؟”، “أين هي المنظمات الحقوقية عنك؟”، و”أين هم المدافعون عن حقوق الإنسان ليساعدوك؟” وقيل لأخرى، “أين هو ربّك ليحميك؟

– تعرضت إحداهن على الأقل للتعذيب النفسي، إذ قيل لها أن أحد أفراد عائلتها قد توفي، وأنهم حريصون على إنهاء التحقيق معها حتى تتمكن من رؤية جثته قبل دفنها.

–    استخدمت السلطات والد أحد النساء لتصوير مقاطع فيديو ضدها لتشويه سمعتها. كما استخدمت آخر ليشهد ضد ابنته ويبدي انحيازه للسلطات حتى بعد علمه بتعرضها للتعذيب.

– تم تسمية موقع التعذيب بـ “الهوتيل” أو “دار ضيافة الضباط”.

جمال خاشقجي

في 23 ديسمبر أصدرت المحكمة الجزائية الابتدائية في السعودية، أحكاماً بالإعدام بحق 5 متهمين في قضية مقتل الصحافي جمال خاشقجي، كما حكمت بالسجن على 3 أشخاص بالسجن لمدة قد تصل إلى 24 عاماً، فيما تمّت تبرئة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من تلك الجريمة، إذ أعلنت النيابة العامة في مؤتمر صحافي عُقد في 26 ديسمبر أن سعود القحطاني المستشار السابق لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والقنصل السعودي في إسطنبول محمد العتيبي واللواء أحمد عسيري النائب السابق لمدير الاستخبارات لم توجه لهم أي اتهامات وتم الإفراج عنهم، ولم تسمِّ النيابة العامة أسماء المتهمين الذين صدرت أحكام بحقهم.

أدانت منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين تلك الأحكام الصادرة التي تمثل قطعاً محاولة للسلطات السعودية لطمس الحقائق وتبرئة الجناة الحقيقيين الذين من المفترض أن يكونوا هم في قفص الإتهام والمحاكمة، إذ إن السعودية غير مؤهلة بتاتاً ليكون فيها قضاء عادل، ومن جانب آخر هذه المحاكمات أٌنشئت لإنقاذ السعودية وتقليل الضغوط الدولية عليها.

ورداً على تلك الأحكام الصادرة، أعربت  أغنيس كالامارد مقررة الأمم المتحدة المعنية بحالات الإعدام التعسفية والمنفذة خارج نطاق القضاء عن صدمتها المزدوجة إزاء أحكام الإعدام الصادرة بحق خمسة أشخاص في المملكة العربية السعودية في قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي، في أعقاب محاكمة سرية. وقالت في بيان لها، إن صدمتها الأولى تمثلت في أن المنفذين أدينوا وحكم عليهم بالإعدام، خلافاً لمعارضة حكم الإعدام.

وأما صدمتها الثانية فتمثلت في أن من “أمروهم بالتنفيذ ليسوا أحراراً فحسب، بل بالكاد يكونون قد تعرضوا للتحقيق والمحاكمة” ووصفت أغنيس كالامارد ذلك بأنه “نقيض العدالة” وأضافت: “بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، كان مقتل السيد خاشقجي بمثابة إعدام خارج نطاق القضاء يجب أن تتحمل المملكة العربية السعودية المسؤولية عنه. تتطلب هذه القضية إجراء تحقيق في سلسلة القيادة لتحديد هوية العقول المدبرة، وكذلك أولئك الذين حرّضوا أو سمحوا أو غضوا الطرف عن القتل”.

إن انتهاكات حقوق الإنسان مستمرة في المملكة العربية السعودية تزيد من المخاطر السياسية والمالية التي تواجه المستثمرين في المستقبل في المملكة. ولا تشير رؤية 2030 إلى احترام القانون الدولي لحقوق الإنسان أو إلى حماية الحريات التي تلتزم بها معظم القوى الإقتصادية. فإن القتل الوحشي لجمال خاشقجي، والذي هو للأسف مجرد حالة واحدة من الحالات الكثيرة التي تتخذ فيها الحكومة السعودية إجراءات متطرفة لإسكات المعارضة، يستمر في تقييد أهداف “رؤية 2030”.

 

عقوبة الإعدام

تحتل المملكة العربية السعودية المرتبة الأولى بين أكبر خمس دول منفذة لحكم الإعدام في العالم. منذ إطلاق رؤية 2030، أعدمت السعودية ما لا يقل عن 300 شخص من قبل السلطات، مما يعني أنه وفقاً للاتجاهات الحالية، يبدو أنّ الحكومة السعودية ستسجل 2030 حالة إعدام بحلول العام 2030، والكثير من أولئك يناضل من أجل الحصول على أبسط الحقوق.

122  حكماً منفذاً بالإعدام في السعودية سجله النصف الأول من العام 2019، وعُدّت نسبة مرتفعة جداً مقارنةً بالنصف الأول من العام 2018 الذي سجّل اعدام 55 معتقلاً بتهم معظمها تتعلق بالمشاركة بالمظاهرات والإحتجاجات وحرية الرأي والتعبير.

وسلطّت منظمة ADHRB  الضوء على استمرار تنفيذ عقوبة الإعدام في السعودية مع عدم امتثال الأخيرة لتوصيات الدورة الثالثة للاستعراض الدوري الشامل، وذلك خلال مداخلة شفهية مع نهاية الأسبوع الثاني من الدورة 41 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، ودعت المنظمة السعودية إلى تنفيذ جميع توصيات الاستعراض الدوري الشامل، بما في ذلك وقف جميع عمليات الإعدام.

خلال الدورة الأربعين للمجلس في مارس 2019، اعتمد المجلس رسمياً تقرير المملكة العربية السعودية عن الاستعراض الدوري الشامل. بعد شهر واحد فقط، في أبريل، أعدمت الحكومة 37 رجلاً بتهمة ارتكاب جرائم إرهابية ومن بين الرجال السبعة والثلاثين الذين أُعدموا: منير الآدم وهو رجل من ذوي الإحتياجات الخاصة وعباس الحسن وهو أب لأربعة أطفال اتُهم “بالتجسس” و “نشر المذهب الشيعي” ومجتبى السويكت وسلمان قريش وعبد الكريم الحواج الذين كانوا قاصرين وقت ارتكاب الجريمة المزعومة. وقد تعرض هؤلاء الرجال، إلى جانب الكثيرين غيرهم، للتعذيب والإكراه على الاعتراف وحُرموا من الاتصال بمحاميهم.

على صعيد متصل، أدانت المفوضة السامية ميشيل باشيليت في كلمتها الإفتتاحية للدورة الحادية والأربعين تنفيذ حكم الإعدام الجماعي في السعودية في أبريل الماضي على الرغم من “النداءات المتكررة من قبل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بشأن عدم وجود إجراءات قانونية سليمة وضمانات المحاكمة العادلة، وادعاءات بأن الاعترافات تم الحصول عليها عن طريق التعذيب وأن” ثلاثة على الأقل من القتلى كانوا قاصرين في وقت ارتكابهم للجريمة المزعومة.

في 27 مايو 2019، فريق العمل المعني بالاحتجاز التعسفي التابع للأمم المتحدة؛ المقرر الخاص المعني بحالات الخارجة عن القضاء، بالإجراءات الموجزة أو الإعدام التعسفي ؛ المقرر الخاص المعني بحرية الدين أو المعتقد ؛ والمقرر الخاص المعني بالتعذيب وغيره من طرق سوء المعاملة، أو المعاملة والعقوبة اللاإنسانية أو المهينة، نشر نداءً عاجلاً موجهاً إلى المملكة العربية السعودية بشأن خطر الاعدام الوشيك للدكتور عباس العباد نتيجة محاكمة غير عادلة والتمييز على أساس المعتقد الديني. وقد دعت الإجراءات الخاصة للأمم المتحدة حكومة المملكة العربية السعودية إلى الوقف الفوري لجميع عمليات الإعدام مع الاخذ بعين الاعتبار إلغاء عقوبة الإعدام، تقديم أي معلومات إضافية حول اعتقال الدكتور العباد وتهمه، والرد على ادعاءات التعذيب وسوء المعاملة ومساءلة الجناة.

في السادس عشر من يوليو طالبت النيابة العامة بتنفيذ حكم الإعدام بحق ثلاثة ناشطين هم محمد عيسى اللباد، رمزي محمد آل جمال، وعلي حسن آل زايد، من ضمن قائمة 23 مطلوباً لتعبيرِهم عن رأيهِم ومشاركتهم في الحراك الديمقراطي في المنطقة الشرقية وذلك بعد تسليمِهم أنفسِهم إلى السلطات فعام 2017، وحصولِهم على تعهد بإطلاقِ سراحِهم، ولكن المعتقلين أَجبروا على الإدلاء باعترافات كاذبة تحت التعذيب لإصدارِ أحكام قاسية ضدَّهم تصل إلى عقوبة الإعدام.