ملفات الإضطهاد: سيد كاظم عباس ضحية السرطان المميت نتيجة الإهمال الطبي والتعذيب في سجن جو

توفي سيد كاظم علي عباس المعتقل السياسي السابق، بصورة مأساوية صباح يوم الثالث من فبراير 2020، وذلك بعد إصابته بسرطان مميت نتيجة الإهمال الطبي أثناء فترة اعتقاله في سجن جو بين عامي 2015 و 2018. عانى سيد كاظم من ورم في دماغه على الرغم من من الدعوات الكثيرة لتوفير العلاج الطبي الكافي له، واحدة من تلك الدعوات وجّهت مباشرةً من مكاتب الإجراءات الخاصة في الأمم المتحدة لتُعرِبَ فيها عن “القلق البالغ”، والكثير من الشكاوى من عائلة سيد كاظم الى الأمانة العامة للتظلمات.  بعد انتشار خبر وفاة  سيد كاظم سارع  المئات من البحرينيين للمشاركة في تقديم واجب العزاء والانضمام الى للتشييع.

قبل اعتقاله كان سيد كاظم علي عباس يعمل في مهنة النجارة. في 30 يونيو 2015، قام ضباط من مركز شرطة القضيبية باعتقال سيد كاظم في مطار البحرين الدولي عندما كان في طريقه إلى الكويت دون إبلاغه عن التهم الموجهة إليه. كما قام هؤلاء الضباط بمداهمة منزله دون مذكرة تفتيش بينما كانوا مسلحين ويرتدون ملابس مدنية، لم تكن هناك أي شارة رسمية على ملابسهم أو سياراتهم.

قام الضابط بدفع سيد كاظم على الأرض وركله، حتى أصابت إحدى الركلات أذنه، مما سبب له إصابة خطيرة. بعد هذه الحادثة، ادّعى الضابط أن سيد كاظم قد اعتدى عليه وهاجمه. كما تعرض سيد كاظم للضرب المبرح على جسده ووجهه على يد ضابط شرطة في مركز شرطة القضيبية، بعدها تم إرسال سيد كاظم إلى طبيب في مستشفى السلمانية، حيث كتب الطبيب تقريراً عن إصابة أذنه، إلّا أن السلطات لم تقدم هذا التقرير للجهات المعنية كعائلته.

اتّهم سيد كاظم في قضيتين منفصلتين:  (1) تجمع غير قانوني وأعمال شغب واعتداء على مخفر شرطة الخميس؛ (2) الاعتداء على ضابط أمن بعد الاعتقال.

في 9 فبراير 2016، حُكم على سيد كاظم بالسجن لمدة 10 سنوات في القضية الأولى، وتم تخفيض الحكم لاحقاً إلى خمس سنوات بعد الاستئناف في 25 أكتوبر 2016. وقد تم تقديم استئناف آخر في 16 يونيو 2018، حيث تم تأييد الحكم بالسجن لمدة خمس سنوات. وعلق القاضي القضية الثانية آنذاك إلى أن يتم البت في القضية الأولى.

قضى سيد كاظم عقوبته في سجن جو، واستمرت حالته الصحية في التدهور بسبب الظروف المعيشية السيئة في هناك. تم عزله وسجناء آخرون في المبنى 4 عن العالم الخارجي لمدة 23 ساعة في اليوم، حيث سُمح لهم بالخروج لمدة ساعة واحدة فقط. بالإضافة إلى المعاملة السيئة، مُنع سيد أيضاً من الاتصال بمحاميه. وقد قام المسؤولون في مكتب النيابة العامة بمنع المحامي من مقابلته، وذكروا أنه لا يوجد معتقل يحمل اسم سيد كاظم في المبنى على الرغم من معرفتهم بوجوده.

عانى سيد كاظم، أثناء وجوده في سجن جو، من انتفاخ غير طبيعي في أنفه ووجهه وصداع شديد، وعدم القدرة على الوقوف وعدم القدرة على تحمل أي نوع من الروائح، حيث أن ذلك سبب له الغثيان والدوار. وفي نهاية المطاف، نُقل سيد كاظم إلى عيادة شرطة القلعة، وهي مجهزة بشكل أفضل من عيادة جو وتُستخدم أصلاً لمعالجة موظفي وزارة الداخلية. وقد أجرت العيادة صورة أشعة سينية لأنفه، ولكن الصورة لم تظهر أي علامات على وجود عظم مكسور. ثم أُعيد سيد كاظم إلى السجن دون تلقي أي علاج. وقد ذكر أنه لا يستطيع أن يأكل وأنه يتقيأ باستمرار ويعاني من ألم في معدته وظهره وأنفه، بالإضافة إلى خسارته حوالي ربع وزنه في شهر مايو 2018.

عُرض سيد كاظم للمرة الثانية على عيادة شرطة القلعة في 27 مايو 2018، حيث تم نقله في النهاية إلى قسم أمراض الأمعاء. تم تشخيص حالته فقط بأنه يتقيأ باستمرار وتم تجاهل بقية إصاباته. عندما ذهب سيد كاظم إلى العيادة، سخر الطبيب منه وتركه في العيادة من الساعة الخامسة إلى الساعة الحادية عشرة مساءً دون علاج. استخدم الأطباء المسكنات وقطرات الحقن الوريدي لعلاج أعراضه، إلّا أنّ هذه الأدوية قد عرّضته للإصابة بالهلوسة. فظهرت عليه علامات ضعف الذاكرة، مع نقص في التركيز وعدم القدرة على قراءة أي شيء عن بعد أكثر من متر واحد.

في 22 يونيو 2018، سقط سيد كاظم في السجن وأغمي عليه، فتم تحويله الى المستشفى العسكري بصورة مستعجلة وأخضع لصورة أشعة رنين مغناطيسي للتأكد من حالته وتم اكتشاف ما تنبأت به العائلة في رسالتها التي تجاهلتها بدايةً إدارة سجن جو والأمانة العامة للتظلمات اذ ذكروا فيها احتمال اصابته بورم في الدماغ وتم على إثر ذلك اجراء عملية مستعجلة له. أجريت العملية يوم السبت بتاريخ 23 يونيو وتم وضع أنبوب لتصريف السوائل من الرأس وللتخفيف من الضغط الموجود في رأسه. وتم الاتصال بالأهل بعد الانتهاء من العملية ولم يسمح لهم بزيارته في ذلك اليوم.

وفي 30 يونيو 2018 أٌدخل مرة اخرى لغرفه العمليات لتغيير ذلك الانبوب تجنباً من تفشّي الالتهابات، لكن هذه المرة بعد اخذ موافقة الأهل حيث انه لا يوجد لديهم أي خيار غير الموافقة. كما أنهم منعوا من الاطلاع على التقارير الطبية لسيد كاظم أو رؤية صورة الأشعة لعرضها على جهة أخرى بحجة أن إدارة سجن جو لا تسمح بذلك. وقد حدد الطبيب يوم الاثنين بتاريخ 2 يوليو موعدا لعملية استئصال الورم.

بعد تلك العملية أصيب سيد كاظم بضعف شديد في نظره فلم يكن يتمكن من الرؤية الا بصورة ضعيفة جدا وفقد القدرة على التمييز بين الأشخاص. وأخبر عائلته أنه عانى من صداع شديد في الراس والتقيؤ عند الاكل التهاب المسالك البولية وضعف النظر، وأن معظم هذه الاعراض اختفت بعد اجراء العملية الا أنّ بصره أصبح ضعيفاً جداً.

وكان الطبيب قد أخبر العائلة أيضا أنه لا يمكنهم تحديد نوع الورم ( حميد أو خبيث – سرطاني )  الا بعد استئصاله وتحليله في المختبر لمعرفة نوعه.

أجريت عملية استئصال الورم بتاريخ 2 يوليو لكن ظلّ يعاني من انعدام الرؤية نتيحة تأخر سجن جو في ارساله للمستشفى للعسكري، وأفاد الطبيب أنه قام باستئصال الورم لكنه كان غير متأكد من استئصاله بالكامل.

في 6 مارس 2017، قدمت عائلة سيد كاظم شكوى إلى الأمانة العامة للتظلمات في وزارة الداخلية، المكلف بالتحقيق في مخالفات الشرطة. وعلى الرغم من توثيق الطبيب لإصابة سيد كاظم، أفادت الأمين العام أن موظفي وزارة الداخلية لم يرتكبوا أي انتهاكات في القضية.

وفي مايو 2018، قدمت عائلة سيد شكوى أخرى إلى الأمانة العامة للتظلمات في وزارة الداخلية بسبب الإستمرار في معاملته السيئة وحرمانه من العلاج المناسب، بما في ذلك توفير مسكنات الألم وحدها ولفتت عائلته إلى أن الاعراض التي لدى سيد كاظم تشير إلى اصابته بورم في الدماغ ويحتاج لعرض على استشاريين لتشخيص حالته الصحية واعطائه العلاج المناسب.

كما قامت العائلة بتاريخ 24 يونيو بعد نقله للمستشفى العسكري بتقديم شكوى أخرى إلى الامانه العامة للتظلمات وكذلك في المؤسسة الوطنية لحقوق الانسان.

لم تتلقّ العائلة اي رد آنذاك بحجة أنهم يتابعون الموضوع مع سجن جو علما أن الشكوى الأولى كانت في أواخر شهر مايو والثانيه في منتصف شهر يونيو.

في 18 سبتمبر 2019 وجهت أربعة مكاتب من الإجراءات الخاصة التابعة للأمم المتحدة رسالة ادعاء إلى حكومة البحرين بشأن حرمان السجناء من الرعاية الطبية الكافية  في سجن جو، بمن فيهم الأفراد الذين يعانون من حالات صحية مزمنة والأشخاص ذوي الإحتياجات الخاصة والمدافعين عن حقوق الإنسان، وسجناء الرأي. تضمنت الرسالة تفاصيل الحرمان من الرعاية الطبية لعشرة سجناء بحرينيين، كان من بينهم آنذاك سيد كاظم عباس، وتناولت الرسالة مسألة تقييد الشخصيات السياسية البارزة بالأصفاد، ورفض إدارة السجن بشكل مستمر منح الرعاية الصحية اللازمة للأفراد الذين يعانون من أمراض مزمنة كفقر الدم المنجلي، السرطان والسكري.

 وقد شكّلت منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين (ADHRB) مصدراً للمعلومات المقدمة إلى الإجراءات الخاصة، من خلال برنامجها الخاص بالشكاوى التابعة للأمم المتحدة لا سيما فيما يخص قضية سيد كاظم عباس.

إن الأفعال التي ارتكبتها البحرين بحق سيد كاظم تنتهك القانون الدولي، بما في ذلك اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (المواد 7 و 9 و 14)، والاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (المادة 12) والتي تعد البحرين طرفاً في كل من هذه المعاهدات

يقول حسين عبد الله المدير التنفيذي لمنظمة ADHRB: “إن وفاة هذا الشاب تشكل حدثاً مأساوياً ينبثق عن تزايد مواجهة السجناء السياسيين في البحرين للحرمان الممنهج من العلاج الطبي من قبل السلطات في سجن جو، حيث يستمر التعتيم على الانتهاكات في حين تواصل البحرين حرمان الخبراء المستقلين من الوصول إلى البلاد، بما في ذلك مقررو الأمم المتحدة الخاصون”.

وتدعو ADHRB حكومة البحرين إلى تعويض الذين أطلق سراحهم عن المعاناة التي تعرضوا لها في السجن والتحقيق في كل مزاعم التعذيب ومحاسبة الجناة. إلى جانب المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين الذين يحرمون من الرعاية الصحية المناسبة وكذلك إلغاء الأحكام بالسجن المؤبد بحق العديد منهم تمهيداً لاطلاق سراحهم فوراً قبل فوات الأوان وتفاقم وضعهم الصحي