3 أعوام مرّت على هجوم الدراز دون محاسبة الجناة

ثلاثة أعوام تكريساً لسياسة الإفلات من العقاب

  ثلاث سنوات مرّت على الهجوم الوحشي على الدراز الذي لم تُمح آثاره بعد من سجل الانتهاكات الحافل لحكومة البحرين. نستذكر وقائعه، ضحاياه، وكأنه كان البارحة.

ذاك الهجوم الدموي حدث بعد يومين فقط من لقاء ملك البحرين للرئيس الامريكي دونالد ترامب في الرياض أي في 21 مايو 2017. وهذا ليس محضُ صدفة، فالولايات المتحدة تدعم وتساند حليفتها البحرين بلا حدود على الرغم من الانتهاكات الحقوقية الجسيمة التي ترتكبها الأخيرة، لكن تطغى على ذلك مصالح الولايات المتحدة في المنطقة لا سيما العقود العسكرية بملايين الدولارات، وبذلك تعتبر الولايات المتحدة متورطة بشكل رئيسي في تلك الانتهاكات وتحديداً الهجوم الوحشي على الدراز عبر دعمها السلطات البحرينية بالأسلحة والعتاد العسكري.

واقع الهجوم

عند الساعة التاسعة صباح يوم 23 مايو 2017، أعلنت وزارة الداخلية البحرينية عن بدء عملية أمنية في منطقة الدراز. استهدفت العملية المتظاهرين المعتصمين امام منزل الزعيم الروحي للشيعة الشيخ عيسى قاسم. قامت قوات الأمن بتحويل مسار المرور بعيدا عن الدراز قبل هجومها على المتظاهرين بأعداد كبيرة في أكثر من 10 عربات مصفحة وبدعم من مروحيات. نقل نشطاء كانوا هناك أن الأمن البحريني استخدم أسلحة الشوزن والرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع ضد المتظاهرين وأن الاستخدام المفرط للقوة وإطلاق النار كان على مسافات قريبة جداً. ولم ينتهِ هذا الهجوم الدموي حتى حصد أرواح خمسة مدنيين هم:  محمد كاظم زين الدين، محمد الساري، محمد العكري ، أحمد العصفور ومحمد حمدان، واعتُقِل 286 شابا كان من بينهم حالات حرجة وجرح 200 آخرين.

شاهدون على الهجوم

شهود عيان كانوا وسط الهجوم وشهدوا سقوط الضحايا أمام أعينهم. تقول إحدى النساء: “لقد سقطت نيران البنادق علينا مثل المطر”. وتابعت: “رأيت الهجوم على دوار اللؤلؤة عام 2011 ورأيت القوات، لكنني لم أرهم بالأعداد التي رأيتها في الدراز في هذا اليوم…كنا نسمع إطلاق النيران من مدافع رشاشة حية” وحول الضحايا تعتقد أن المواطن زين الدين توفي بنيران الذخيرة الحية وكذلك الساري. وكانت الرصاصة التي أصابته من مسافة قصيرة مضيفةً: “إن زين الدين كان هناك حتى بعد صلاة الظهر، رفضوا نقل جثمانه”.

أحد المدنيين الذين اعتقلوا في اعتصام الدراز قال: ” لقد كان الاعتصام سلمياً للغاية وفي محيط ضيق جداً من القرية المترامية الاطراف في الجانب الشمالي الغربي منها، ولم يكن يؤثر على حركة سير او تجارة او اي شيء آخر سوى اعلان الرفض لسياسات الحكومة ضد المواطنين الشيعة في التعرض لمعتقداتهم وحرية ممارستهم لشعائرهم الدينية…” هذا الشخص الذي أطلق سراحه لاحقاً، شهد إصابة الضحية محمد الساري ومقتله فيما بعد، وكشف ما حصل قائلاً: “كنت احد الاشخاص الذين حاولوا عبثاً انقاذ حياة محمد الساري، إلّا ان الجراح التي اصيب بها كانت جدا بليغة؛ وقد حاولنا مراراً الاتصال بالإسعاف ولم يحضر إلا بعد ما يقارب الساعة حتى فاضت روحه ولم يحاول احد من الضباط إسعافه، وقد صحت فيهم قائلاً: أيعقل ان تتركوه يموت ولا أحد منكم يسعفه مع أنكم خضعتم لدورات في الإسعافات الأولية! فما كان منهم إلا ان قالوا لي: أجري له تنفساً اصطناعياً!

إحدى النساء شهدت سقوط محمد حمدان، وقالت: “كان محمد حمدان من المجموعة التي كانت قريبة جدا من منزل الشيخ عيسى قاسم. كنا نقف في منزل أمام بيت الشيخ، أنا ونساء أخريات. الشباب، في اللحظة الأولى للدفاع عن الشيخ، كان بعضهم يحتفظون بوسائل أساسية للدفاع عن النفس حتى أنهم لم يكونوا قادرين على استخدامها، تم إطلاق النار عليهم بطريقة هستيرية. تراجع الشباب إلى ما وراء الحاجز المحيط بمنزل الشيخ حتى حوصر محمد حمدان ومجموعة من الشبان، هنا أصيب حمدان، إذ ضربوه لدرجة أنهم مزقوا ملابسه، وبدأنا بالصراخ…”

من هم ضحايا هجوم الدراز الخمس؟

محمد أحمد حمدان: كان محمد يبلع من العمر 23 عاماً تقريباً حين قٌتل في هجوم الدراز، وكان طالباً جامعياً. اعتقل سابقاً تعسفياً ثلاث مرّات لأسباب سياسية، كان متأثراً بشخصية الشيخ عيسى قاسم ومن بين المتضامنين معه ضد إسقاط جنسيته. أصيب أثناء الهجوم الدموي على الدراز بالرصاص الإنشطاري     (الشوزن) في الرأس من مسافة 5 متر بحسب تقديرات الطبيب الشرعي، وأصيب أيضاً بالشوزن يسار البطن وفي الفخذ الأيسر على بعد مترين فقط. دُفن في “الماحوز” دون علم وموافقة ذويه وبشكل مخالف للأعراف والقوانين المحلية.

محمد عبد الكريم حسن العكري: كان محمد يبلغ من العمر 19 عاماً تقريباً قبل مقتله في هجوم الدراز، وكان طالباً في الصف الثالث ثانوي ومهتماً بعلوم التكنولوجيا، أصيب بطلقة واحدة في بطنه كانت كفيلة بقتله عن مسافة لا تزيد عن متر واحد،  دُفن في “المحرق” دون علم وموافقة ذويه وبشكل مخالف للأعراف والقوانين المحلية.

أحمد جميل أحمد محمد العصفور: كان أحمد يبلغ من العمر 35 عاماً عندما قضى في هجوم الدراز، وهو من مواليد قرية الشاخورة وله 5 أطفال. درس علوم الحاسوب في الهند وحصل منها على شهادة البكالوريوس، كان منخرطا في التعليم الديني ومشاركاً في فرق الإنشاد. أصيب في الجانب الأيسر من البطن برصاص الشوزن عن مسافة مترين فقط، دُفن في “الماحوز” دون علم وموافقة ذويه وبشكل مخالف للأعراف والقوانين المحلية.

محمد علي ابراهيم أحمد الساري: كان محمد يبلغ من العمر 29 عاماً، وله ولدين، حصل على درجة الدبلوم في الهندسة الكهربائية. أصيب محمد اصابة خطرة بالرصاص الحي وكانت تبعد الرصاصة عن قلبه بمسافة 1 سم أثناء مشاركته في التجمع السلمي بدوار اللؤلؤة عام 2011، إلا أنّ الساري نجا بأعجوبة من اصابته. سُجن لمدة عام بعد تفريق المعتصمين من قبل الجيش في مستشفى السلمانية وتم أخذه الى السجن بالرغم من اصابته الخطرة واتهامه بكراهية النظام والإعتداء على رجال الأمن، وأفرج عنه في 7 أبريل عام 2013. في هجوم الدراز في مايو أصيب برصاص الشوزن في أعلى الفخذ الأيمن من مسافة 5 أمتار وكذلك في ركبته وساقه اليسرى ويسار بطنه. دُفن في “المحرق” دون علم وموافقة ذويه وبشكل مخالف للأعراف والقوانين المحلية.

محمد كاظم محسن زين الدين: كان محمد يبلغ من العمر 44 عاماً عندما سقط في هجوم الدراز. له ثلاثة أولاد حصل على درجة البكالوريوس في علوم الحاسوب وكان يعمل مهندساً ومبرمجاً للحاسوب والشبكات الإلكترونية في احدى المؤسسات المصرفية في البحرين وكان مساهماً في عدة مشاريع علمية وتطويرية خارج البلاد، إلى جانب أنه كان ناشطاً بيئياً حيث انتخب نائباً لجمعية أصدقاء البيئة منذ عام 2000. أصيب برصاص الشوزن في هجوم الدراز ودُفن في “المحرق” دون علم وموافقة ذويه وبشكل مخالف للأعراف والقوانين المحلية وبعد أربعة أيام من احتجاز جثمانه في المستشفى العسكري.

خلفية

في يونيو 2016، أسقطت الحكومة جنسية عالم الدين الشيعي البارز الشيخ عيسى قاسم، مما دفع أنصاره إلى التجمع أمام منزله في الدراز في اعتصام جماعي سلمي لحمايته من الترحيل. قامت الحكومة البحرينية بانتهاج أسلوب إسقاط الجنسية وحرمان  990 شخصاً من الجنسية بشكل تعسفي منذ عام 2012. في أبريل 2019، أصدر ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة أمرًا بإعادة جنسية لـ 551 فرداً سبق تجريدهم من جنسيتهم البحريني، لكن وضع 439 شخصاً، بمن فيهم الشيخ عيسى قاسم، لا يزال مجهولاً.

حاصرت السلطات البحرينية الاعتصام السلمي في الدراز عن طريق إقامة حواجز حول البلدة، مع شن غارات متفرقة. في 21 ديسمبر 2016، هاجمت قوات الأمن المتظاهرين، وحاصرتهم بعشرات سيارات الشرطة وأطلقت عليهم قنابل الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين. بعد مرور شهر، في 26 يناير 2017، استخدمت قوات الأمن الرصاص الحي ضد المتظاهرين، فأطلقت رصاصة قاتلة على مصطفى حمدان البالغ من العمر 18 عاماً وأصابته في رأسه بلغت هذه الأحداث ذروتها في 23 مايو 2017، عندما هاجمت قوات الأمن المتظاهرين مرة أخرى بالغاز المسيل للدموع والبنادق قبل حرمان العشرات من الجرحى المدنيين من الوصول إلى المستشفيات والرعاية الطبية. أسفر هذا الهجوم عن مقتل خمسة أشخاص واعتقال 280 على الأقل، مما يجعله أكثر أعمال قوات الأمن وحشيةً ودمويةً منذ ما قبل العام 2011. وكان أحد الأفراد المتوفين محمد حمدان البالغ من العمر 28 عاماً، وهو الأخ الأكبر لمصطفى حمدان الذي قُتل بالرصاص في وقت سابق من ذلك التاريخ.

حث المفوض السامي لحقوق الإنسان السابق في للأمم المتحدة، زيد رعد الحسين، الحكومة البحرينية على “التحقيق في أحداث 23 مايو، وخاصة الخسائر في الأرواح، لضمان نشر النتائج أمام الملأ كما دعا البحرين إلى اختيار طريق “المشاركة والحوار، فضلاً عن المساءلة عن العنف، بغض النظر عن مرتكب الجريمة”. وحثت مجموعة من خبراء حقوق الإنسان في الأمم المتحدة البحرين على “وقف حملتها المدبّرة على المجتمع المدني وتسليط الضوء على استخدام القوة المفرطة والمميتة لتفريق المتظاهرين السلميين في الدراز.

ومن بين أكثر من 280 شخصاً تم اعتقالهم لمشاركتهم في اعتصامات الدراز السلمية. في 27 فبراير 2019، أدين 167 من الأفراد في محاكمة جماعية. تراوحت مدة العقوبة بين ستة أشهر وعشر سنوات في السجن، مع الحكم الأكثر شيوعاً بحق أكثر من نصف المتهمين بالسجن لمدة عام. تم تسليم أكثر من 50 من المدعى عليهم بالسجن لمدة عشر سنوات، وكان عشرة من الأفراد المدانين قاصرين. بالإضافة إلى ذلك، فإن القاضي الذي أشرف على القضية وأصدر الحكم هو عضو في العائلة الخليفية الحاكمة.

كانت الإجراءات التي اتخذتها البحرين في الدراز عام 2017 والمحاكمة اللاحقة تنتهك القانون الدولي لحقوق الإنسان والتزامات البحرين بموجب المعاهدات، بما في ذلك اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة (CAT) والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (ICCPR). كانت هذه الإجراءات تتعارض أيضًا مع مبادئ حقوق الإنسان الأساسية على النحو المنصوص عليه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. مثّلت الحملة على المجتمع المدني والسياسي في الدراز انتهاكاً للحق في حرية التعبير والتجمع والمعتقد أو الرأي في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. يعد التعذيب وسوء المعاملة في هذه القضية انتهاكاً لاتفاقية مناهضة التعذيب والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وينتهك الحق في عدم التعرض للتعذيب في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. بالإضافة إلى ذلك، فإن استخدام محاكمة جماعية، حيث سُجن العديد من المتهمين بالفعل بتهم أخرى وعدم قدرتهم على حضور جلسات المحاكمة، يعد انتهاكاً لحقوق المحاكمة العادلة في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. أخيراً، كان استخدام القوة المفرطة والقتل خارج نطاق القضاء للمتظاهرين ينتهك الحق في الحياة كما هو منصوص عليه في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

في ذكرى مرور ثلاثة أعوام على الهجوم الدموي على الدراز، تدعو ADHRB حكومة البحرين إلى السماح بإجراء تحقيق مستقل في الأحداث التي وقعت ومقاضاة المتورطين في قتل خمسة أشخاص خارج نطاق القضاء.