كيف يساهم تصدير الأسلحة الأمريكية للدول المنتهكة لحقوق الإنسان في استمرار الحرب على اليمن؟

أكد تقرير عمليات تصدير الأسلحة الدولية الصادر عن معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام احتلال الولايات المتحدة للمركز الأول من بين أكبر 5 دول مصدرة للأسلحة على مستوى العالم لعدة سنوات حتى الآن. وقد أظهر التقرير أنّ الفترة بين عام 2015 وعام 2019 حاسمة للولايات المتحدة لإعادة إرساء تفوقها التجاري في سوق تصدير الأسلحة العالمية. أفاد معهد الأبحاث السياسية الأمريكية أن الولايات المتحدة زادت صادراتها الرئيسية من الأسلحة بنسبة 23٪ بين الفترة 2015 و2019 ، لتصل إلى نسبة 36٪ من إجمالي صادرات الأسلحة العالمية. وفي هذا الوقت كانت الولايات المتحدة مشغولة أيضًا في تعزيز علاقات الشراكة القائمة مع أكثر المستوردين البارزين. فسياسة التسلح الأمريكية، لا يعنيها مكان أو سبب استخدام أسلحتها. وقد تبيّن أن السعودية، والإمارات، والبحرين استخدموا أسلحة مستوردة من الولايات المتحدة في الحرب الدموية في اليمن، الأمر الذي جعلهم ينتهكوا القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي. فالربح، هو الهدف السياسي الأساسي للحكومة الأمريكية والمجمع الصناعي العسكري الأمريكيّ.

وفي عام 2013 ، وقّعت الولايات المتحدة على معاهدة تجارة الأسلحة، وهي دليل على تأسيس اتفاقية عالمية تهدف إلى تنظيم التجارة العالمية للأسلحة. وضمن الهيئة المنشأة بموجب المعاهدة، تم وضع معايير تنظم مبيعات الأسلحة الدولية وعمليات النقل والقرارات، حيث بلغ عدد الدول الأطراف في المعاهدة الحالية 105 و 32 دولة موقعة. على الرغم من توقيع الدول للمعاهدة، لم تصادق الولايات المتحدة بعد على الاتفاقية مما يضمن تطبيقها الملزم ضمن النظام القانوني الأمريكي. كما قام الرئيس ترامب في أبريل 2019، بسحب الاتفاقية بشكل رمزي من دراسة مجلس الشيوخ. وإذا كانت الولايات المتحدة ستصادق على الاتفاقية، فهذا يعني أنه يجب إجراء تغييرات كبيرة من أجل الامتثال للمعاهدة. وقد اعتبر أنّ تصدير الأسلحة إلى البلدان المتورطة في حرب اليمن أو النزاع المسلح الأمر الذي يتعارض مع القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، انتهاكًا كبيرًا للمادة 7 من الاتفاقية.

على الرغم من توقيع الولايات المتحدة على معاهدة تجارة الأسلحة، بقيت المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والبحرين من بين أكثر الدول المدعومة بالأسلحة من قبل الولايات المتحدة. وتعتبر هذه الدول  انّها أوّل من ينتهك حقوق الإنسان، وغالباً ما تستخدم القوة المفرطة ضد المدنيين والمتظاهرين السلميين وتستهدف النشطاء السياسيين والصحفيين الذين يحاولون ببساطة ممارسة حقهم في حرية التعبير. فبعد أن أمرت السعودية بقتل جمال خاشقجي، وهو ناقد وصحافي مشهور للحكومة السعودية لصحيفة واشنطن بوست، تبيّن مجددًا تورط الدولة في حرب اليمن. كما انّ 73٪ من واردات المملكة العربية السعودية من الأسلحة تأتي من الولايات المتحدة، مما يعني بشكل أساسي أن الأسلحة الأمريكية المصنعة تستمر في دعم الصراع الذي يستخدم الغارات الجوية ضد المدنيين الأبرياء، ومواقع التراث الثقافي، وحتى في الهجمات ضد المستشفيات والمدارس.

ومنذ عام 2015، قُتل أكثر من 100000 مواطن في اليمن، بما في ذلك أكثر من 12000 مدني. كما جعلت الحرب 80 ٪ أي حوالي 24 مليون شخص من السكان، يعتمدون على المساعدات من أجل البقاء على قيد الحياة. كانت المجاعة الكبرى التي ضربت البلاد إحدى النتائج المخيفة لهذا الصراع، وقد حذرت الأمم المتحدة من أن 13 مليون شخص في اليمن يواجهون المجاعة، فعلى الرغم من هذه الخسائر الهائلة في الأرواح والموارد ورأس المال البشري، لا يزال من مصلحة الجيش السعودي والإماراتي إبقاء النزاع حتى بعد سنوات من الحرب المكلفة. كما تتنافس المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة مع بعضهما البعض حول احتلال المناطق في جنوب اليمن،  ويبدو أنهم حتى الآن ليس لديهم النية في التخلي عن هذا الصراع.

الصادرات الأمريكية إلى السعودية والإمارات والبحرين بالملايين

المصدر: قاعدة بيانات SIPRI لنقل الأسلحة

تأثير صناعة الأسلحة الأمريكية على سياسة التصدير الأمريكية

كانت الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية منذ عقود شريكين رئيسيين لتصدير الأسلحة. وفي عام 2009، عززت إدارة أوباما شراكتها من خلال زيادة مبيعات الأسلحة مع الدولة الخليجية. فخلال هذه الإدارة  أبرمت هذه الدول 42 صفقة مختلفة مع المملكة العربية السعودية، مما أدى إلى بيع أسلحة تزيد قيمتها عن 115 مليار دولار. كما تغطي أوامر التصدير مجموعة واسعة من السلع، وليس فقط المركبات المسلحة، والطائرات الحربية، والسفن الحربية، وطائرات الهليكوبتر الهجومية وصواريخ جو- أرض والبنادق والذخيرة.

لكن لم تتهرب إدارة ترامب أيضًا من فرصة تأكيد علاقتها التجارية الراسخة مع المملكة العربية السعودية، ففي أول زيارة رئاسية لترامب في مايو 2017، اختار الرئيس زيارة المملكة العربية السعودية، باعتبارها عرض مقدّم لدعم الدولة الخليجية، حيث أُعلن عن صفقة أسلحة جديدة وأكثر اتساعًا مع الأمة العربية. وقد بلغت الصفقة 110 مليار دولار في مبيعات الأسلحة وشملت الدبابات والسفن الحربية وأنظمة الدفاع الصاروخي، بالإضافة إلى الرادارات والاتصالات وتكنولوجيا الأمن السيبراني. واعتبر الرئيس الأمريكي هذه الصفقة بمثابة إنجاز كبير وفرصة استثمارية للولايات المتحدة، كما تم التصريح عنها لأول مرة، حيث حدد أن الاتفاقية تصل إلى حوالي 110 مليار دولار من الاستثمار مقدمًا في صناعة الأسلحة الأمريكية، و350 مليار دولار إضافية لمشتريات الدفاع الإضافية على مدى السنوات العشر القادمة. ولكن تبيّن لاحقًا أن الصفقة الفعلية ستبلغ حوالي 25 مليار دولار فقط. كما يُظهر الاتفاق أن الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة بتسليم نسبة كبيرة من الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية، على الرغم من تورطها البارز في الصراع اليمني الذي تسبب في الكارثة الإنسانية الفظيعة.

كيف تقوم شركات التسليح الأمريكية بتزويد الأسلحة للصراع الدموي في اليمن؟

تم الإبلاغ عن استخدام أسلحة أمريكية الصنع في اليمن بشكل متكرر، ففي عام 2016، تم استخدام قنبلة أمريكية الصنع في غارة جوية على سوق مزدحم، مما تسبب في مقتل 97 مدنيًا، بينهم 25 طفلاً. وفي عام 2017، تم استخدام قنبلة أخرى أمريكية الصنع في غارة مميتة على منازل صنعاء السكنية، مما أسفر عن مقتل 16 مدنياً وتشويه 17، بمن فيهم بثينة البالغة من العمر خمس سنوات، والتي فقدت عائلتها بأكملها في الهجوم. وفي عام 2018 ، قتلت قنبلة مصنّعة في الولايات المتحدة 40 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 6 و11 سنة في حافلة مدرسية يمنية. وذكرت شبكة CNN أن القنبلة المذكورة كانت عبارة عن قنبلة أم كي 82 موجهة بالليزر بوزن 500 رطل (227 كيلوجرام) من صنع شركة لوكهيد مارتن، أحد كبار مقاولي الدفاع الأمريكيين. وفي العام نفسه، قتل حوالي 33  شخصًا آخراً عندما استخدمت قنبلة أمريكية الصنع في غارة جوية على حفل زفاف يمني. كانت القنبلة المذكورة قنبلة موجهة من نوع جي بي يو-12 بايفواي، مُصنّعة في شركة الدفاع الأمريكية رايثيون. وعلى الرغم من وجود أدلة واضحة على تورط الولايات المتحدة في الحرب التي أسفرت عن سقوط آلاف الضحايا من المدنيين، نفى البنتاغون في عام 2018 استخدام أي قنبلة أمريكية في اليمن، ولكن في عام 2019، أظهرت دراسة بكلية ستانفورد للقانون أن المعدات العسكرية الأمريكية كانت واضحة في 25 هجومًا من أصل 27 هجومًا، تسبب في مقتل مدنيين يمنيين.

تعتبر البحرين من الدول التي تستورد أيضًا الأسلحة الأمريكية. وأفاد كل من معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام ومنظمة رصد حقوق الإنسان، أن صفقات الأسلحة بين البلدين بلغت حوالي 110 مليون دولار على مدى السنوات العشر الماضية. وفي عام 2018، وافقت وزارة الخارجية الأمريكية على عمليتي بيع أسلحة مقترحتين تشملان طائرات هليكوبتر هجومية من طراز إي أتش-آي زيد، وصواريخ، و3200 قنبلة لتسليح الأسطول الحربي إف 16 البحريني، ومعدات عسكرية أخرى. كما تشتهر البحرين بانتهاك حقوق الإنسان ضد الصحفيين والمتظاهرين والمعارضين فإلى جانب المملكة العربية السعودية، تم تسمية البحرين كدولة محاربة رئيسية أخرى متورطة في حرب اليمن. وقد دعمت الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى بشكل غير مباشر التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن لأنهم هم أنفسهم ومصنعي الأسلحة يستفيدون من هذا الصراع من خلال بيع الأسلحة لهم.

إضغط هنا للعثور على الصادرات الأمريكية إلى البحرين

تعتبر شركة لوكهيد مارتن أكبر شركة تصنيع أسلحة على هذا الكوكب، فمع عائدات تبلغ 59 مليار دولار لعام 2019، تم إنفاق 88 ٪ من نفقاتها على مبيعات الأسلحة اعتبارًا من عام 2017. وهي تعتبر شركة أمريكية عميقة، فحوالي نصف صفقات الأسلحة السنوية الخاصة بها هي لوزارة الدفاع الأمريكية. بالإضافة إلى ذلك ، فهي أيضًا مقاول بارز لوكالة ناسا ووزارة الطاقة الأمريكية. وفي 6 يناير 2020، أبرمت شركة لوكهيد ووزارة الدفاع الأمريكية عقد بقيمة 1.9 مليار دولار لدعم العمليات والحفاظ على أسطول أف-35 العالمي، مع تحسين التأهب للبعثات، وفي نفس الوقت تخفيض الكلفة. ونتيجة لكونها قوة مهيمنة في صناعة الأسلحة في جميع أنحاء العالم، ظهرت منتجاتها في الصراع الدموي في اليمن، ويضم قنبلة موجهة على الطريق قد أصابت سوق مزدحم في قرية المصطبة، مما أسفر عن مقتل 97 مدنياً من بينهم 25 طفلاً. وقد أعيد بيع نفس النوع من القنبلة إلى المملكة العربية السعودية في عام 2019 وإلى الإمارات في عام 2017، على الرغم من استخدامها ضد المدنيين الأبرياء في اليمن.

فرايثيون تعتبر شركة بارزة لصناعة الأسلحة المستخدمة في الحرب اليمنية، حيث تُصنّف الشركة كواحدة من أفضل الشركات في قائمة أكبر منتجي الأسلحة في العالم. وأعلنت رايثيون عن مبيعاتها لعام 2018 التي وصلت الى 27 مليار دولار، وفي عام ،2017 أنفقت الشركة 87٪ من نفقاتها في تصنيع الأسلحة. إنّ علاقة هذه الشركة مع حكومة الولايات المتحدة عميقة، ففي أكتوبر 2019، أعلنت رايثيون عن إبرام عقد بقيمة مليار دولار مع وزارة الأمن الداخلي الأمريكية لتوفير دعم واسع في مجال الأمن السيبراني. كما تقوم شركة رايثيون بتصنيع مجموعة واسعة من المنتجات لسوق الأسلحة، مثل محركات الطائرات وأنظمة الدفاع الجوي وإلكترونيات الطيران والطائرات بدون طيار والصواريخ. كما تم بيع منتجاتها للدول المشاركة في الصراع اليمني، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين. وقد تم استخدام قنبلة موجهة من الليزر من صناعة شركة رايثيون في هجوم بقيادة السعودية والإمارات على منزل في تعز، في اليمن في 28 يونيو 2019، حيث أسفر الهجوم عن مقتل ستة مدنيين من بينهم ثلاثة أطفال. وقد تم بيع نوع مماثل من القنابل إلى المملكة العربية السعودية في عام 2009 ،2011، 2014، 2015، 2017، 2019، كما تم بيع قنبلة إلى الإمارات العربية المتحدة في عام 2017.

إضغط هنا للعثور على الصادرات الأمريكية إلى الإمارات

وباء كورونا: تهديد الأوبئة مع تدهور الظروف في اليمن التي بعد تدميرها بسبب الحرب

منذ عام 2016، واجه اليمن انتشار خطير للكوليرا الذي يتحدى النظام الصحي في البلاد منذ ذلك الحين. وبحلول عام 2019، تم تأكيد أكثر من 2 مليون حالة، فخلال هذه السنوات أدى النزاع المسلح دون شك إلى تفاقم الظروف لمواجهة هذا الوباء. مما يعني أن الأزمة الصحية الحالية لفيروس كورونا يمكن أن تكون لها عواقب مدمرة أكثر إذا انتشر الفيروس في اليمن. وكان قد تم تأكيد الحالة الأولى في بداية شهر أبريل، حيث بدأ إعلان حالة الطوارئ الصحية المحتملة في الظهور. كما بدأت العديد من المنظمات الدولية بالتحذير، داعية إلى المساعدة والتدخل الدوليين لإعداد البلاد للعواقب المدمرة التي يمكن أن تحدث. وأعربت منظمة أوكسفورد للتحرر عن قلقها بشأن الوضع، وقالت منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ليزا جرايد أن تأثير الفيروس في اليمن سيكون كارثياً إذا انتشر، وان البلد غير مستعد لأزمة صحية لأنه يفتقر إلى الموارد الكافية لرصدها ومكافحتها. كما تخشى منظمة الصحة العالمية من أن ينتشر وباء كورونا في اليمن ؛ لدى السكان الذين يتمتّعون بأدنى مستويات المناعة ضد الأمراض مقارنة بالدول الأخرى. والأمر الذي صعّد خطر الإنتشار، هو أن المستشفيات ومرافق الرعاية الصحية لا تزال تتعرض للضربات الجوية من الصراع المستمر. وأفادت منظمة أطباء بلا حدود عن سقوط خمسة غارات جوية على المراكز الطبية بين عامي 2015 و2018، مما أدى إلى تعليق جميع الرعاية الطبية من هذه المرافق.

وعلى الرغم من جميع التحديات التي تحملتها اليمن  نتيجة للحرب، يوجد مؤشّر صغير يدل على  إمكانية تباطؤ وتوقيف الصراع. فالولايات المتحدة تواصل تمويل وإمداد الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين لإدامة الحرب، لكي تستمر في جني أرباح قياسية من المبيعات. كما يوضح معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام، فإن العديد من الأسلحة التي تم طلبها لم يتم تسليمها بعد إلى بلد الشراء، ما مشيرا إلى أن الدول الأطراف المتحاربة لا تخطط للتوقف في أي وقت قريب. إضافة الى خطر وباء كورونا،  الذي يهدد أيضًا ما يتبقى من نظام الرعاية الصحية الهش والمعطل بسبب الحرب. إن الشعب اليمني على حافة كارثة أخرى تسببها الأمراض التي  تهدد حياة الملايين من الناس. فإذا كانت الولايات المتحدة قلقة على الناس في اليمن، فعليها أن توقف على الفور جميع عمليات تصدير الأسلحة الحالية والمعلقة إلى الجهات المتحاربة من المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والبحرين.

إضغط هنا للعثور على الصادرات الأمريكية إلى السعودية