ادعاءات السعودية في الدورة 45 لمجلس حقوق الإنسان: المزيد من التعتيم على انتهاكات حقوق الإنسان

 خلال الدورة الـ 45 لمجلس حقوق الإنسان التي انطلقت في 14 سبتمبر 2020، ذكرت المملكة العربية السعودية أن حرية التعبير لكل مواطن محترمة تمامًا، لكن الواقع مختلف تماماً، إذ يرتفع عدد المدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء السياسيين في السجون السعودية. وفي السياق ذاته، أثارت عدّة دول غربية  في تلك الدورة مخاوف بشأن مصير الناشطات في السعودية. وفي بيان مشترك، تلته الدنمارك نيابة عن ما يقارب 30 دولة، طالب البيان بالضغط على المملكة للإفراج الفوري عنهن، إلى جانب جميع المعتقلات السياسيات الآخرين. وطالب البيان بإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين في السعودية،  مشدّداً  على ضرورة محاسبة الجناة على انتهاكات حقوق الإنسان في المملكة. كما أعربت المفوضة السامية لحقوق الإنسان عن قلقها البالغ إزاء استمرار الاعتقال التعسفي لعدد من النساء المدافعات عن حقوق الإنسان في المملكة ودعت إلى الإفراج عنهن بشكل عاجل. وفي سياق متصل، دعت فرنسا السعودية إلى التوقف عن استخدام عقوبة الإعدام كوسيلة لإسكات المعارضة. كما دعت السويد المملكة إلى ضمان حرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات. وناشدت لوكسمبورغ السعودية بوقف استهداف المدافعين عن حقوق الإنسان والضمان الكامل للممارسة الحرة للحريات المدنية والسياسية، وأدانت الأعمال الانتقامية بحق المعارضين.

كذلك زعمت السعودية في هذه الدورة أن خططها التنموية تضمن الحق في التنمية لصالح الجميع، في حين أن الحق في التنمية يقوضه التمييز الممنهج، والتمييز ضد الطائفة الشيعيّة في مجالات التعليم والتوظيف والخدمات الاجتماعية. ففي هذه الدورة، أشارت منظمة ADHRB إلى فرض الحكومة السعودية العديد من الضغوط التي تمنع الشيعة من التمتع بحقوقهم الدينية والثقافية، التي هي من حقوق الإنسان الأساسية. على سبيل المثال، غالبًا ما لا توافق السلطات السعودية على طلبات بناء مساجد أو مراكز دينية شيعية وتنخرط في منع ممنهج للمواطنين الشيعة من ممارسة شعائرهم الدينية بحُريّة. وأشارت المنظمة إلى قضية المواطن السعودي الشيعي عباس الحسن الذي أعدم في عام 2019 مع 37 رجلاً بتهمة نشر الدين الشيعي وتهم أخرى. ووفقًا لصحيفة واشنطن بوست، حتى بعد مرور عام على إعدام الحسن الجائر، لم تتسلم عائلته حتى الآن جسده، أو ممتلكاته الشخصية، كما لا يمكنها إقامة جنازة له.

   كما استنكرت منظمة ADHRB  خلال هذه الدورة إستخدام السعودية للمرتزقة في حرب اليمن. وأشارت المنظمة إلى أن التجنيد تسبب في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وأعربت إيرلندا خلال الدورة ذاتها عن قلقها العميق إزاء الوضع المزري لحقوق الإنسان في اليمن، مشيرة إلى استمرار انتهاك الحقوق الأساسية من قبل أطراف النزاع.

 الناشطة لجين الهذلول والناشطات المعتقلات

الإنتهاكات الدورية لحقوق الإنسان في السعودية تتعارض مع رؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان للعام 2030. وللمفارقة، فإن الأمير الشاب مسؤول عن قسم كبير من الإنتهاكات، وهو مهدد بخسارة حلفائه في الدول الغربية بسبب سجله الحافل في قمع حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير، بحسب صحيفة الفاينانشيل تايمز. واحدة من هذه الإنتهاكات تتمثل في قضية الناشطة لجين الهذلول، القابعة في سجن الحائر سيئ السمعة. وبحسب صحيفة واشنطن بوست، فإن الأمير محمد بن سلمان يفكر في الإفراج عنها قبيل انعقاد قمة مجموعة العشرين المرتقبة في نوفمبر المقبل في الرياض، لتبييض صفحته أمام قادة المجتمع الدولي، وذلك بعدما جردت الناشطة الهذلول من ملابسها وانتهكت جنسياً وضربت وتعرضت للصعقات الكهربائية، ومورس عليها أسلوب الإيهام بالغرق تحت إشراف سعود القحطاني، أكبر مستشاري بن سلمان سابقا، الذي هددها بالإغتصاب والقتل. كما أن العديد من الناشطات الأخريات المعتقلات يتعرضن أيضاً للتعذيب والتحرش الجنسي تحت إشراف القحطاني.

محاكمة القاصرين

في 28 سبتمبر 2020، وأثناء الدورة 45 لمجلس حقوق الإنسان، ألقت منظمة ADHRB بالتعاون مع منظمتي ESOHR و Repreive بيانا نيابة عن طه الحاجي، المحامي السعودي السابق الذي أمضى حياته في الدفاع عن موكلين قاصرين، وذلك للمطالبة بوضع حد لأحكام الإعدام ضد القاصرين في السعودية، واستبعادها من العضوية في مجلس حقوق الإنسان.

 ففي 27 أغسطس 2020، أصدرت النيابة العامة السعودية أمرا بمراجعة عقوبة الإعدام الصادرة بحق ثلاثة قاصرين، وهم علي النمر، وداوود المرهون، وعبد الله الزاهر الذين صدرت بحقهم أحكام بالإعدام بتهمة ارتكاب جرائم ترتبط بالإرهاب. رغم أنه  في 24 مارس 2020 صدر أمر ملكي بوقف أحكام الإعدام لمن هم دون سن ال 18، استثنى هذا الأمر  في أحد بنوده القاصرين الذين حوكموا وفقاً لقانون مكافحة الإرهاب، مما يشكل خطر على عدد كبير من القاصرين المحكومين بالإعدام. إضافة إلى كونهم قاصرين، فإن عمليات الإعدام بشكل عام تشكل انتهاكاً صريحاً للقوانين والمواثيق الدولية والعربية التي وقعت عليها السعودية.

الحرب على اليمن

أعربت منظمة ADHRB خلال انعقاد الدورة ال 45 لمجلس حقوق الإنسان عن استيائها العميق إزاء الانتهاكات الممنهجة المستمرة لحقوق الشعب اليمني الناجمة عن استمرار الحرب، والتي تفاقمت بفعل التأثيرات المترتبة على الحصار غير القانوني الذي فرضه التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية، وآخرها احتجاز التحالف ل 22 سفينة تنقل الأدوية والوقود والمواد الغذائية للشعب اليمني، مما يهدد بأزمة  إنسانية قد تكون الأسوأ في العالم. قاد النظام السعودي الحرب في اليمن، باستخدام الأسلحة الكندية وكذلك الأسلحة التي باعتها لهم المملكة المتحدة والولايات المتحدة. كما أن انتهاكات تحالف دول الخليج بقيادة السعودية لحقوق الإنسان في اليمن عبر شن غارات جوية، إلى جانب الحصار الإقتصادي المفروض، أثرت سلبًا على المدنيين في كثير من الحالات، مما أدى إلى مقتل  العديد منهم. وأشارت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقريرها العالمي للعام 2020 إلى “أن النزاع المسلح والأزمة الإنسانية في اليمن تتسبب بمعاناة لا توصف للملايين من المدنيين رغم تزايد الاهتمام العالمي بالانتهاكات التي تشهدها البلاد”. وأشارت المنظمة إلى تقرير أممي صادر في سبتمبر 2019 يتحدث عن إنتهاكات أطراف النزاع في اليمن لحقوق الإنسان وللقانون الدولي الإنساني، والتي قد تصل بعضها إلى مستوى جرائم حرب. من بين هذه الإنتهاكات، ذكر مايكل بيج، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش، الهجوم العشوائي على المدنيين، الإخفاء القسري للمدنيين، ومنع وصول الغذاء والدواء إليهم. كما ذكر تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش أن التحالف بقيادة السعودية قد شن منذ بداية الحرب وحتى اليوم عشرات الغارات الجوية العشوائية التي أسفرت عن مقتل آلاف المدنيين وضربت أهداف مدنية. وذكر التقرير إقدام التحالف على اعتقال أشخاص تعسفياً والإخفاء القسري للبعض منهم، من بينهم أطفال. كما أشار التقرير إلى تسبب الحرب بأزمة إقتصادية كبرى عرضت ملايين الناس إلى خطر المجاعة.

سياسة الإفلات من العقاب

في 24 أبريل 2020، توفي أقدم مدافع عن حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية، السجين عبد الله الحامد، بعد اعتقاله لمدة 11 عاماً. قبيل وفاته، في 9 أبريل، أصيب  الحامد بسكتة دماغية وسقط في غيبوبة في وحدة العناية المركزة في مستشفى الرياض. وكشف موقع سجناء الرأي، وهو حساب على وسائل التواصل الاجتماعي يسلط الضوء على السجناء السياسيين السعوديين، بأن وفاته كانت نتيجة “الإهمال الصحي المتعمد”.

وفي الشهر ذاته، بدأت المملكة بمخطط تهجير القبائل سكان المنطقة الشمالية الغربية من أجل بناء مدينة نيوم. وفي هذا الإطار، نشر المواطن السعودي عبد الرحيم الحويطي مقطع فيديو على الإنترنت إنتقد فيه مشروع نيوم، وأظهر حالات مختلفة حيث تم إخراج المقيمين بالقوة، بعد أن رفضوا التعويضات المالية. كما استنكر طرد الأشخاص من منازلهم، قائلا إنهم لا يوافقون على ما يحدث على الإطلاق، واصفاً تعامل الدولة معهم بإرهاب الدولة. وبعد مشادة مع قوات الأمن السعودية أثناء طرده من منزله، قتل عبد الرحيم.

إزدواجية المعايير في التعامل مع جائحة كورونا في السجون

في مارس 2020، وبعدما أعلنت الحكومة السعودية خطة الطوارئ لمنع تفشي فيروس كورونا، أفرجت السلطات عن عشرات السجناء المخالفين لنظام الإقامة والعمل من سجن الشميسي،  وتجاهلت إطلاق سراح  معتقلي الرأي الذين يعانون من ظروف صحية حرجة نتيجة التعذيب والحرمان من الحصول على الرعاية الصحية وعدم توفر أدنى معايير النظافة، بالإضافة إلى مشكلة الإكتظاظ في السجون، ما يهدد بكارثة كبرى في حال تفشى الفيروس في السجون.

رغم ادعاءات السعودية باحترامها لحقوق الإنسان، إلا أن الواقع يثبت عكس ذلك. فعدد المعتقلين من النشطاء السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان يرتفع،  والتعذيب في السجون المترافق مع الإعتداء الجنسي على السجينات ما زال قائما. كما أن أحكام الإعدام تتزايد لا سيما بحق عدد كبير من القاصرين، والوضع الإنساني في اليمن يزداد سوءا بسبب انتهاكات التحالف بقيادة السعودية لأبسط حقوق الإنسان في اليمن ناهيك عن ذلك، سياسة إفلات موظفي الدولة من العقاب لا تزال قائمة، كما تم استثناء معتقلي الرأي من العفو الصادر لمنع تفشي وباء كورونا في السجون.