وسط أزمة دول مجلس التعاون الخليجي، الحكومات الخليجية تفشل في معالجة مسألة انعدام الجنسية

بينما توقع الأزمة الدبلوماسية دول مجلس التعاون الخليجي في ورطة، تقوم المؤسسات المدعومة من قِبل السعودية والإمارات العربية المتحدة باتهام الحكومة القطرية بسحب جنسية 55 فرداً من قبيلة آل مرة بشكلٍ تعسفيّ، بما في ذلك زعيمها الشيخ طالب بن محمد بن لاهوم بن شريم. رغم ذلك فإنه من غير الواضح إذا ما كانت هذه التقارير دقيقة، من المؤكد أنّ السلطات القطرية قامت باستهداف هذه القبيلة في السابق عبر نزع الجنسية من الآلاف بسبب اتهامات بالمشاركة بانقلابٍ فاشل على الأمير السابق. بالاضافة، فإن هذا الإجراء الأخير يُسلّط الضوء على المشاكل طويلة الأمد المتعلقة بانعدام الجنسية والحرمان التعسفي من الجنسية في أرجاء منطقة الخليج العربي على طرفيّ النزاع المستمر.

ما هو انعدام الجنسية؟

يُعرّف انعدام الجنسية، وفقاً لمعهد انعدام الجنسية والمشاركة، بأنه “أشد انتهاكٍ لحق امتلاك جنسية؛ وهو مبدأ راسخ ضمن القانون الدولي لحقوق الإنسان”. ويُعرّف المؤتمر المُنعقد في العام 1954 والمتعلق بوضع الأشخاص عديمي الجنسية، الشخص العديم الجنسية بأنه شخص “لا يُعتبر مواطناً لأي بلد بموجب قانونه”، ويطلب من الحكومات توفير معاملةٍ مساوية للأشخاص عديمي الجنسية كما تعامل مواطنيها. رغم هذا الإدراك القانوني إلا أن الأشخاص عديمي الجنسية غالباً ما يكونون عرضةً لمعاملةٍ تمييزية وغير متساوية في الوصول على حقوقهم الأساسية والتمتّع بها.

بحسب المفوضية العليا لشؤون اللاجئين (UNHCR) ، هناك حالياً على الأقل 10 ملايين شخص عديمي الجنسية. انعدام الجنسية قد يحدث لأسباب مختلفة مثل التمييز ضد جماعات عرقية أو دينية معينة، أو التمييز الجنسي، أو سحب الجنسية التعسفي أو العقابيّ، أو ظهور دول جديدة وانتقال الأراضي بين الدول الموجودة، والثغرات في قوانين الجنسية. مهما كانت الحالة، يواجه الأشخاص عديموا الجنسية عقباتٍ كبيرة عند وصولهم إلى الحقوق الأساسية مثل التعليم، العناية الصحية، التوظيف، وحريّة الحركة.

يواجه الأشخاص عديموا الجنسية في بلدان مختلفة من دول مجلس التعاون الخليجي تفرقةً منهجية. فالكثيرون المعروفون بالبدون ينحدرون من أشخاص كانوا يعيشون في الخليج قبل الاستقلال لكنهم لم يُسجّلوا في التعداد السكاني عندما تشكلت الدول الحديثة. وهناك حالات أخرى حيث يُحرم الأفراد بشكل فعال من جنسيتهم كنتيجةٍ لقرارات الحكومة أو العقبات القانونية المتعلقة بالجنس. هذه الأشكال من انعدام الجنسية شائعة بالتحديد في قطر والكويت والبحرين، حيث غالباً ما تقوم السلطات بسحب المعارضين المزعومين من جنسيتهم كانتقام على آرائهم السياسية، مما يؤثر أحياناً على عائلاتٍ بأكملها بناءً على التمييز الجنسي في قوانين الجنسية الخاصة بتلك البلدان.

قطر

التمييز الجنسي هو سبب أساسي لانعدام الجنسية في قطر، إلى جانب دول أخرى من مجلس التعاون الخليجي. وينص قانون الجنسية الخاص بقطر للعام 2005 بأن الجنسية تُكتسب فقط من خلال الأب، مما يحرم النساء القطريات من نفس الحقوق التي يتمتع بها الرجال القطريون ومما يحرمهم أيضاً من توريث الجنسية إلى أطفالهن. هذا يعني أن الطفل المولود لأم قطرية وأب غير قطري لا يتمكن من الحصول على الجنسية القطرية، مما يزيد خطر أن يصبح الطفل عديم الجنسية. وبينما يسمح قانون الجنسية القطري لأطفال النساء القطريات بأن يُقدّموا لاكتساب الجنسية، فإن العملية مرهقة وليست مضمونة. وفقاً لمنظمة هيومان رايتس واتش، فإنه “حتى الأشخاص الذين يستوفون معايير [التجنّس] قد واجهوا صعوبة”. أضف إلى ذلك، أن القانون يسمح للأفراد بالتقديم على الجنسية بعد أن يعيشوا في قطر لـ25 سنة، ويسمح تجنيس 50 شخص سنوياً فقط. هذين الأمرين معاً، يجعلان الحصول على الجنسية القطرية عن طريق التجنّس أمراً في غاية الصعوبة، ويقطع طريق الفرص أمام المقيمين عديمي الجنسية بأن يحسنوا وضعهم القانوني.

بالاضافة، كما هو مُقترح في تقارير حديثة، فقد استخدمت قطر سحب الجنسية والحرمان منها بشكل تعسفي كأداةٍ للانتقام على أساس سياسي. فمنذ العام 2004، قامت السلطات بسحب جنسية أكثر من 5،000 فرد من عشيرة الغفران، وهي تابعة لقبيلة المرة، وذلك وفقاً لمزاعم الحكومة القطرية بأن عشرة زعماء من القبيلة خططوا للقيام بانقلاب بدعمٍ من المملكة العربية السعودية في العام 1996. رغم أنه ثلثهم تقريباً كان قادراً على استعادة جنسيتهم، إلا أن بعضهم بقي عديم الجنسية وبالتالي غير قادر على الوصول إلى الخدمات الحكومية، مثل التعليم الرسمي والخدمات الصحية. كما أنهم يواجهون صعوبةً في السفر ولا يستطيعون اعطاء جنسيتهم إلى أطفالهم مما يجعلهم عديمي الجنسية أيضاً. في حزيران/يونيو من العام 2017، على سبيل المثال، أفادت منظمة هيومان رايتس واتش بأنّ عضواً من القبيلة، زياد المري، كان مُحتجزاً على الحدود بين السعودية وقطر. وقد زعم أن الحكومة القطرية قد سحبت منه جنسيته سابقاً، وأنّ السلطات السعودية تطرده الآن كنتيجةٍ للأزمة السياسية التي يمر بها مجلس التعاون الخليجي.

الكويت

يعيش في الكويت أكثر من 100،000 فرد عديمي الجنسية، مما يصل إلى نسبة 10 بالمئة تقريباً من عدد السكان في البلاد – وهي أقلية كبيرة بين سكانها البالغ عددهم 1.5 مليون نسمة. الكثير من السكان  البدون في الكويت هم من أحفاد قبائل بدوية لم تُقدّم أبداً للحصول على الجنسية بعد أن حصلت الكويت على استقلالها، والعرب الذين انضموا إلى الجيش الكويتي في في السبعينات والثمانينات، لكنهم لم يحصلوا على الجنسية أبداً، وآخرون تم حرمانهم من جنسيتهم لأسبابٍ سياسية. لقد واجهت هذه المجموعات بشكلٍ تقليدي الحرمان من الحقوق وعند حلول العام 2011 بعد الاحتجاجات والضغط الدولي، سمحت لهم الحكومة الوصول إلى العناية الصحية المجانية والتعليم، بالإضافة إلى القدرة على تسجيل الولادات والزواج والوفيات.

وكما يحدث في قطر والبحرين، فإن النساء الكويتيات لا يُسمح لهن بنقل جنسيتهن إلى أطفالهن الذين يولدون عديمي الجنسية إن لم يكن الأب حاملاً للجنسية الكويتية. بالإضافة إلى ذلك، ولأن سجلات الولادات لدى المستشفيات تدل أن الآباء “غير كويتيين” في هذه الحالات، لا يُوقّع الكثير من الآباء على الوثائق لأنها قد تعرّض مطالبتهم المستقبلية بالجنسية للخطر. يُصعّب هذا الأمر لعائلاتٍ كهذه بأن تحصل على شهادات ولادة كاملة لأطفالهم، وهي مشكلة تتعقّد بشكلٍ أكبر بحقيقة أن معظم الأزواج المنتمين للبدون لا يستطيعون تسجيل زواجهم أو الحصول على عقود زواج، وهو الأمر الذي يتطلّبه تسجيل مولود جديد.

في تشرين الثاني/نوفمبر 2014، عرضت الحكومة الكويتية خطةً لحل “مشكلة” البدون، فقد عُرض على البدون الحصول على “الجنسية الاقتصادية” لجزر القمر، والتي، إن قُبل بها، ستجعلهم يحصلون على إذن بالإقامة في الكويت وإلى مزايا أخرى مثل التعليم المجاني والعناية الصحية المجانية. وهناك مخطط مماثل تم وضعه من قبل الإمارات العربية المتحدة، والذي قد أثار مخاوف بشأن المعالجة المُحتملة لمواطني جزر القمر الجدد: فالقانون الدولي يحظر ترحيل الأفراد عديمي الجنسية، لكنه لا يؤمن نفس الحماية لمواطني دول العالم الثالث.

البحرين

رغم اتخاذ بعض الخطوات الإيجابية لتجنيس عدّة آلاف من البدون في العقود السابقة، لدى البحرين أيضاً أعداد كبيرة من عديمي الجنسية، وقد استهدفت بشكلٍ متصاعد المدافعين عن حقوق الإنسان، والناشطين السياسيين، وفاعلين آخرين في المجتمع المدني عبر السحب التعسفي للجنسية. وكما هو حال البدون، فإن جماعة عجم في البحرين، وهي جماعة إثنية دينية معظمها من المسلمين الشيعة ينحدرون من أصولٍ فارسية، يتعرضون لتفرقة مؤسساتية تركت الكثير منهم عديمي الجنسية وغير قادرين على الوصول إلى الرعاية الاجتماعية أو برامج المعونة المتوفرة لبقية السكان البحرينيين. وكما في قطر والكويت، فالتمييز الجنسي في قانون الجنسية البحريني يزيد من خطر انعدام الجنسية، مع عدم قدرة النساء البحرينييات على اعطاء الجنسية لأطفالهن. ورغم أن الحكومة تزعم أنّ هناك مشروع قانون يعدّل قانون الجنسية للعام 1963  قد تم وضع مسوّدة له من أجل معالجة هذه المسألة، فقد علمت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر 2016 أنه لم يتم تسجيلها وبالتالي من غير الواضح إذا ما كانت بانتظار الإقرار البرلماني. وتُشير تقارير إعلامية بحرينية حديثة في العام 2017 أنّ الأحكام التمييزية باقية.

إزداد سحب الجنسية بشكلٍ تعسفي على وجه الخصوص منذ العام 2012 مع ما يقرب من 500 شخص سُحبت جنسيتهم في السنوات الخمس الأخيرة، بما في ذلك أكثر من مئة في هذا العام لحد الآن. من ضمن هؤلاء الأشخاص، الغالبية العظمى هم من أغلبية السكان الشيعة في البلاد، الذين يختبرون التمييز على مدى معظم نواحي المجتمع البحريني. كما أن تشريعات البحرين الواسعة النطاق لمحاربة الإرهاب والجنسية تسمح للسلطات بأن تسحب الجنسية من الأفراد لممارستهم حقوقهم الأساسية، كما يسمح لوزارة الداخلية بأن تصدر أوامر سحب إدارية للجنسية التي عادة ما تكون غير قابلة للطعن. مثلاً، رأى محامي حقوق الإنسان البحريني تيمور كريمي جنسيته تُسحب في العام 2012 للمشاركة بالمظاهرات في أثناء التحرك المؤيد للديمقراطية، وقد تم ترحيله إلى العراق في العام 2016. بطريقة مماثلة، تم سحب جنسية المدير التنفيذي لمنظمة ADHRB، حسين عبدلله، بسبب عمله في مجال حقوق الإنسان على الصعيد الدولي. كما يزيد سحب الجنسية التعسفي ولدوافع سياسية التأثيرات السلبية للتمييز الجنسي في قانون الجنسية: عندما تسحب السلطات الجنسية البحرينية من رجل ما، تكون عائلته بأكملها عرضةً لانعدام الجنسية وما يرافق ذلك من مشاكل.

يمكن أن يؤدي انعدام الجنسية إلى انتهاكاتٍ أخرى لحقوق الإنسان في البحرين، بما في ذلك الحرمان من فرص العمل، تعيين محامي، امتلاك عقارات، الحصول على العناية الصحية والخدمات التعليمية، السفر، أو تسجيل مولود جديد. كما أنّ انعدام الجنسية يُعرّض الأفراد لخطر الترحيل، مع صعوباتٍ أخرى ناتجةٍ عن عدم امتلاك وثائق أو تصريح واضح للسفر. وقد قامت السلطات البحرينية بالترحيل الجبريّ للكثير من الأفراد ممّن قامت بسحب جنسيتهم بشكلٍ تعسفي من العام 2012.

الخاتمة

لقد فشلت دول مجلس التعاون الخليجي مثل قطر والكويت والبحرين في معالجة انعدام الجنسية بشكل ملائم في المنطقة، بينما تتفاقم المشكلة عبر الحفاظ على التمييزٍ الجنسي لمنح الجنسية وسحب الجنسية من الأفراد بشكلٍ تعسفي. تنتهك هذه الأفعال التزامات الدول وفقاً للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وإتفاقية حقوق الطفل، وإتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. على جميع حكومات دول مجلس التعاون الخليجي –بما فيهم قطر والكويت والبحرين- ضمان الحصول على الجنسية وعلى جميع الحقوق المرتبطة بها، وفي نفس الوقت عليها أن تلغي أي أحكامٍ تشريعية تمنع ذلك.

 

خوان كارميلو رودريغيز ميليان هو متدرّب تحشيد في منظمة ADHRB .

مصدر الصورة: Getty Images) 2011)