“إبعاد العمال الوافدين إلى الصحراء”: كيف فاقم فيروس كورونا معاناة العمال الوافدين في الكويت

  يُعد وباء كورونا أزمة عالمية شاملة، وقد أثر على أعداد لا تحصى من البلدان والمناطق وجوانب المجتمع. ومع الأسف، تثبت الفئة الأضعف في المجتمع بأنها الأكثر ضرراً، ويمثل العمال الوافدون الى الكويت الحلقة الأضعف في ظل هذه الأزمة، إذ سلط سلسلة من المؤثرين العرب وكبار المسؤولين الذين انفجروا غضباً واحتجاجاً، الضوء على معاملة المغتربين في منطقة الخليج.

عزّزت حملات على مواقع التواصل الإجتماعي قادها مشاهير العرب ومسؤولون رفيعو المستوى قضية العمال الوافدين في خطاب الكويت حول فيروس كورونا، وفي الآونة الأخيرة قامت الممثلة الكويتية الشهيرة حياة الفهد بشن هجوم على المجموعة الضعيفة من خلال اقتراحها أنه يجب “طرد” العمال الوافدين أو “وضعهم في الصحراء” الآن بعد أن دفعت الأزمة الموارد الكويتية إلى نقطة الانهيار وقالت:”إذا مرضنا، فلا يوجد مستشفيات كافية”، فإذا كانت بلدانهم لا تريدهم، ماذا علينا أن نفعل بهم؟ ألا يملي المنطق أنه في أوقات الشدة، أنه من الأفضل التخلص من هؤلاء الناس؟ نرحلهم أو نرميهم إلى الخارج، والله يجب رميهم في الصحراء. إنني لست ضد المعاملة الإنسانية ولكننا بلغنا ذروتنا“. وبالمثل، دعت النائب الكويتية صفاء الهاشم، في مارس، إلى ترحيل العمال الأجانب الذين تجاوزوا مدة تأشيراتهم من أجل “تطهير” البلاد من الخطر الذي يشكله انتقال الفيروس. هذه الهجمات الوحشية أثرت على مجتمع العمال الوافدين بشدة ، وعلى الرغم من لعبها دوراً أساسياً في الاقتصاد الكويتي، فإن مثل هذه الانتهاكات تذهب دون عقاب إلى حد كبير بموجب القانون الكويتي.

يبلغ عدد سكان الكويت حوالي أربعة ملايين نسمة، و70 بالمئة هم الرعايا الأجانب خاصة الهنود والفلبينيين. وعلى الرغم من بعض التغيرات التشريعية التي قامت بها الحكومة الكويتية منذ 2015 مثل تطبيق الحد الأدنى لأجور عاملات المنازل، لم تفعل الدولة الكثير لمحاربة إنتهاكات حقوق الإنسان. إحدى المشاكل الرئيسة هو نظام الكفالة، الذي يحافظ على هيكل المجتمع بأسره من ممارسات العمل المسيئة لأن العمال غير الكفوئين يعتمدون على كفيلهم من أجل السماح لهم بالعمل داخل البلد. يقوم النظام الإستغلالي بجعل القوانين المختصة لحماية العمال الوافدين من دون معنى. إن الإساءة شديدة لدرجة أن العديد من الدول، مثل إندونيسيا وغانا وأوغندا منعت المواطنين من الحصول على تأشيرات للعمل في الكويت. إن المعاملة اللاإنسانية والمهينة مثل سندات الدين والاتجار بالبشر والجنس هي قضية متوطنة لها تأثير بقدر تأثير الركود الاقتصادي، ولهذا فإن ترك مثل هذه الإنتهاكات إلى الصك التشريعي يُعد غير كافٍ للقضاء على المشاكل المتكررة التي يواجهها العمال في الكويت.

يتعرض العمال الوافدون في دول مجلس التعاون الخليجي مثل الكويت للاستغلال الشديد. يتم استقطابهم إلى البلاد بوعود كاذبة، ويعملون في ظل ظروف قاسية، ويتحملون ظروفاً معيشية مروعة ويعملون في بعض الأحيان بدون أجور. هذا يرجع إلى حقيقة أن جوازات سفرهم وهواتفهم المحمولة مأخوذة منهم من قبل أرباب عملهم، وإزالة السبل التي يمكن أن يغادروا من أجلها بإرادتهم. حتى إذا حاولوا الهرب، فهم هدف سهل للتجار. ولهذا السبب، فإن العمال الوافدين هم في الأساس عبيد محاصرون في الكويت. تتعرض النساء العاملات بشكل خاص للاتجار بالبشر والاعتداء الجنسي والبدني في الكويت كعاملات منازل. وراء الأبواب المغلقة، غالباً ما يتحملون سوء معاملة جنسية وجسدية شديدة.

في السنوات الأخيرة، لقي وفاة عدد من عاملات المنازل في الكويت اهتماماً دولياً. في عام 2014 ، توفيت عاملة منزلية فلبينية لورديس هينغكو أبيخويلا بسبب شدة الجروح التي أصيبت بها بعد أن هاجمها أسد صاحب العمل. في عام 2017، أظهرت لقطات فيديو سقوط عاملة منزلية إثيوبية تسقط عن سبعة طوابق بعد أن توسلت إلى رب عملها للمساعدة. في عام 2018، عُثر على جثة جوانا ديمافيليس، عاملة منازل فلبينية تبلغ من العمر 28 عاماً، متوفاة في شقة صاحب العمل. أثبتت أدلة الطب الشرعي أنها تعرضت للتعذيب قبل خنقها حتى الموت – وأنها توفيت قبل أكثر من عام من العثور على جثتها. أثارت وفاة ديمافيليس أزمة دبلوماسية بين الفلبين والكويت. مما أدى إلى إصدار الفلبين حظراً مؤقتاً على المواطنين الراغبين في الهجرة للعمل في الكويت. مع إحجام الحكومة الكويتية عن خسارة اليد العاملة الفلبينية الهائلة، أصدر المجلس التشريعي قانوناً في 2018 يطالب أصحاب العمل بالسماح للعمال الفلبينيين الوافدين الحق في امتلاك جواز سفر خاص بهم، والحق في ساعة استراحة من بين 12 ساعة عمل يومياً ويوم عطلة في الأسبوع.

على الرغم من هذا التقدم المفترض، في عام 2019، تم العثور على جثة أخرى من عاملة المنازل الفلبينية كونستانسيا لايو داياج في ثلاجة مع خيار محشو بأعضائها التناسلية. بعد هذا الاكتشاف، حثت مجموعات العمال الوافدين الحكومة الفلبينية على عدم إعادة فرض حظر 2018 لأنه قد يثير زيادة في الاتجار بالبشر في البلاد. عندما ظهرت لقطات تظهر أن مسؤولي السفارة في الكويت ينقذون الخادمات الفلبينيات من أصحاب عملهن المسيئين، أعلنت الكويت أن هذه الخطوة إهانة لسيادتها وطردت مبعوث الفلبين واستدعت سفيرها في مانيلا. ومع ذلك، مع وجود أكثر من 250.000 عامل فلبيني مهاجر يشكلون حوالي 60 في المائة من القوى العاملة المنزلية في الكويت، لا تزال البلاد تعتمد بشكل كبير على تدفق العمال من الفلبين. وهكذا شرعت الدول في صفقة جديدة لتنظيم توظيف الموظفين الوافدين إلى الكويت.

هذه الحوادث ليست استثناءات بالتأكيد. وبدلاً من ذلك، فإنها تعكس الظروف المروعة التي من المتوقع أن تعمل وتعيش فيها عاملات المنازل وغيرهم من العمال الوافدين في الكويت. من المرجح أن تؤدي القيود اللازمة لاحتواء انتشار COVID-19 إلى تفاقم هذه الظروف. قد يطلب أصحاب العمل زيادة تنظيف المنزل دون توفير معدات الحماية. علاوة على ذلك، قد يطلبون أيضاً من خادماتهم الاعتناء بشخص أصيب بالفيروس. وفي الوقت نفسه، ومع اضطرار أفراد الأسرة لقضاء المزيد من الوقت داخل المنزل، فإن عاملات المنازل يتعرضن بشكل متزايد للإيذاء البدني والجنسي.

يتحمل العمال الوافدون في الأوقات الحالية وطأة الوباء. لقد أثر إغلاق الشركات في منطقة الخليج على العمال الوافدين ذوي الدخل المنخفض بشدة خاصة مع انخفاض الدخل والتحويلات بشكل حاد، مما يعني “فقدان شريان الحياة المالي الحيوي للعديد من الأسر الضعيفة”. علاوة على ذلك، كما جاء في تقرير لمركز الأعمال وموارد حقوق الإنسان ، فإن “مؤسسات العمل المكتظة غالباً في ظروف غير صحية، وبعضها لا يحصل على مياه جارية” تعرض صحة العديد من الوافدين إلى الكويت للخطر: “توفر هذه الظروف بيئة مناسبة لانتشار COVID-19، الحجر الصحي والقيود الأخرى المفروضة على الحركة والسفر … قد تزيد دون قصد المخاطر على العمال، وكذلك تؤدي إلى معاناة العمال من عواقب اقتصادية قاسية مع عدم القدرة على العمل”. عبر دول الخليج، يمثل العمال الوافدون أعلى نسب الإصابة بعدوى COVID-19 وفي الكويت، تشير الأرقام الرسمية إلى أن جميع الحالات تقريباً كانت بين الأجانب. الأكثر ضعفاً هم العمال ذوو الأجور المنخفضة، يعيشون في مناطق مزدحمة بالسكان مثل جليب الشيوخ بالقرب من المطار الكويتي، ويعيش حوالي 450.000 شخص في مساحات معيشة مكثفة تصل مساحتها إلى ثمانية كيلومترات مربع مع 20 شخصاً في غرفة واحدة في بعض الأحيان. هنا، يصبح التباعد الاجتماعي مستحيلاً تقريباً.

كما أن انتشار فيروس كورونا يذكرنا بعلاقات المجتمع المدني المتوترة المستمرة في البلاد. قبل أن تصبح COVID-19 مشكلة، كان العمال الكويتيون الوافدون قد تم تعريضهم لعدد من المشاكل المجتمعية مثل الجريمة والاختناقات المرورية. الآن، مع عمليات الإغلاق وانخفاض أسعار النفط، أصبح النقاش العام المحيط بالوافدين الكويتيين يركز بشكل متزايد على إلقاء اللوم على السكان المغتربين لاستنزاف موارد الدولة. يتم تطبيق ذلك حتى على أعلى مستوى: في الإعلانات اليومية التي تصدرها الحكومة، يتم استخدام الجنسية كوسيلة لتحديد الهوية: أثناء الإحاطة اليومية لوزارة الصحة، يتم تقسيم الإحصاءات حسب الجنسية بدلاً من العدد الإجمالي للحالات التي يتم الإعلان عنها. وبالمثل ، في الإعلان اليومي، يشعر الأفراد الذين ينتهكون حظر التجول بالخزي والعار: الجدير ذكره أن الأفراد إما “كويتيون” أو من “جنسية أخرى“. وقد تسبب هذا النوع من الرسائل في تدفق المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي التي تحمل الكراهية للعمال الأجانب وتصريحات عامة ضد جنسيات العمال الوافدين. وقد أثر ذلك على صحتهم الجسدية والعقلية؛ مع وجود العمال الوافدين بالفعل في ظروف بائسة، أبلغت الرأي عن تسع حالات انتحار وأربع حالات أخرى ارتكبها أفراد من السكان الوافدين في الأسابيع الأربعة الماضية.

لفتت حالة العمال الوافدين في الكويت خلال جائحة فيروس كورونا الحالية انتباه منظمات حقوق الإنسان حول العالم. صرحت فاني ساراسواتي، المحررة المعاونة لـ Migrant-rights.org، أنه “يبدو أن هناك انفصالًا في هذه البلدان حول مدى حاجتهم إلى هؤلاء العمال. سوف تنهار مجتمعاتهم حرفياً إذا لم يكن هؤلاء العمال موجودين، ولكن هناك القليل من التعاطف مع وضعهم. في 10 أبريل، نشر ائتلاف من 16 منظمة غير حكومية، بما في ذلك هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية و Migrant-Rights.org، رسالة موجهة إلى وزير الشؤون الاجتماعية والعمل الكويتي. في هذه الرسالة، تحث المنظمات الحكومة الكويتية على ضمان حصول العمال الوافدين على الحماية الكافية من COVID-19 من خلال اتخاذ إجراءات لحماية صحة العمال الوافدين والصحة العامة بشكل عام. يجب أن تشمل هذه الإجراءات توفير “إمكانية الوصول على قدم المساواة إلى مرافق سكنية مناسبة، بما في ذلك مرافق لعزل أنفسهم إذا لزم الأمر، بالإضافة إلى ما يكفي من الماء والغذاء والصرف الصحي” لجميع العمال، وتوزيع معدات الحماية “مع متطلبات الصحة والسلامة الكافية بما في ذلك تلك المحددة لـ COVID-19 ومراقبة أرباب العمل حتى لا “يستخدموا الوضع كغطاء لإدخال ممارسات مسيئة مثل الخصومات غير العادلة أو عدم دفع الأجور أو الفصل التعسفي”.

يعتبر العمال الوافدون في غاية الأهمية بالنسبة لاقتصاد الكويت، ولكن بدون إلغاء نظام الكفالة، سيستمر استغلال هؤلاء العمال ويفتقرون إلى صوت في المجتمع. إن جائحة فيروس كورونا الإضافية تدل أن العمال الوافدين في الكويت سيكونون أول من يعاني. من أجل منع ذلك، الأمر متروك الآن للحكومة الكويتية للنظر في وتنفيذ المطالب التي عبرت عنها منظمات حقوق الإنسان التي تدافع عن أضعف الكويتيين. على الرغم من تطبيق القوانين التي تم سنها لتحسين ظروف معيشة وعمل المغتربين في الكويت، لا يزال أمام الحكومة البحرينية طريق طويل لإحداث تغيير فعال. وهذا يتطلب، من بين أمور أخرى، التطبيق الفعلي للقوانين وإلغاء نظام الكفالة. ومع ذلك، بعد أن شهدنا القليل من التغيير في الماضي القريب، لا يمكننا الاعتماد فقط على الحكومة الكويتية. كما يحتاج المجتمع الدولي إلى ضخ الضغط لضمان حماية العمال الوافدين في الكويت؛ لذا فإن القوانين التي تم سنها هي أكثر من مجرد وعد فارغ مكتوب على الورق.