الإمارات العربية المتحدة: المزيد من الانتهاكات الجسيمة لأبسط حقوق الإنسان رغم انتشار كورونا

 تستمر الإمارات العربية المتحدة في انتهاكاتها الجسيمة لحقوق الإنسان، وما برز في الواجهة في الآونة الأخيرة انتهاك حقوق العمال الأجانب، حرية التعبير، وحقوق السجناء. وعلى الرغم من تفشي وباء كورونا بشكل متصاعد، لم تغير تلك الأزمة  شيئًا من انتهاج الإمارات لتلك الإنتهاكات، خاصة لا سيما من ناحية المعاملة السيئة للسجناء وتجاهل إطلاق سراح سجناء الرأي.

انتهاك حقوق العمال الوافدين

خلال الدورة الـ 45 لمجلس حقوق الإنسان التي انطلقت في 14 سبتمبر 2020، أكدت الإمارات العربية المتحدة على أهمية التعاون الدولي وضرورة ضمان التنمية المستدامة في سياق وباء كورونا. ومع ذلك، تواصل دول مجلس التعاون الخليجي، بما فيها الإمارات، انتهاك حقوق العمال الأساسية بشكل ممنهج على عكس الحق في التنمية، خاصة فيما يتعلق بالعمال المنحدرين من أصل إفريقي.

واعتبرت المنظمة أنه من أجل مكافحة العنصرية بجميع أشكالها، يجب اعتماد استراتيجية مؤسسية وهيكلية، وتعزيز الإلتزام الدولي الواسع نحو الإدماج والمساواة بجميع معانيها، بغض النظر عن الجنس، أو الأصل العرقي أو الإثني، أو السن، أو الإعاقة، أو المعتقد الديني. لذلك، لا يمكن حل مثل هذا الإلتزام في التعبير عن كلمات جوفاء من قبل الدول ولكن يجب إظهاره من خلال إصلاحات تشريعية فعالة.

وأبرزت المنظمة العنصرية المؤسساتية والتمييز الذي يعاني منه المنحدرون من أصل إفريقي في دول مجلس التعاون الخليجي. لقد وُثِّق أن المنحدرين من أصل إفريقي يواجهون تمييزاً ممنهجاً، ويتعرضون للعنف وممارسات العبودية، ويُستبعدون من تكافؤ الفرص في جميع المجالات، ولا يُمنحون الحماية والضمانات القانونية. كما تنعكس هذه العنصرية الممنهجة بشكل جيد في تحفظ دول مجلس التعاون الخليجي على المادة 14 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري.

إنّ العمال المهاجرين يشكلون الغالبية العظمى من العمالة في الإمارات، إذ تبلغ نسبتهم 90% من إجمالي القوى العاملة، ومع ذلك فإنّ حقوقهم دائمًا ما تكون عرضة للاستغلال والانتهاك، خاصة عمال البناء الذين يمثلون نحو ثلث القوى العاملة في البلاد منذ عدة سنوات وتزايدت مع تفشي فيروس كورونا، وبرز في هذا الصدد قرار وزارة “الموارد البشرية والتوطين” الإماراتية في مارس الماضي السماح للشركات بتعديل عقود العمال الوافدين، أو إجبارهم على الذهاب في إجازة غير مدفوعة الأجر، أو قبول تخفيض رواتبهم بشكل دائم أو مؤقت، بما يتيح لأرباب العمل تقليص عدد العمال الوافدين أو خفض رواتبهم بشكل دائم، في حين يتمتّع العمال الإماراتيون بالحماية القانونية الكاملة، والأجور الثابتة والمرتفعة.

إنتهاك حرية التعبير

في 26 سبتمبر 2020، كشفت الكاتبة الإماراتية ظبية خميس عن صدور قرار بمنعها من السفر، بسبب رفضها للتطبيع الإماراتي-الإسرائيلي، وهي قد علمت بقرار منع السفر فجأة في مطار دبي لدى محاولتها السفر إلى القاهرة. كما كشفت ظبية عن تهديدات كانت قد تلقتها لمجرد إبداء رأيها. وحملت الكاتبة الحكومة الإماراتية كامل المسؤولية عن أي “قمع أو اعتقال أو اغتيال أو تصفية” يمكن أن تتعرض لها، على حد قولها. وفي هذا السياق، ألقت منظمة ADHRB في 1 أكتوبر 2020 مداخلة شفهية ضمن الدورة 45 لمجلس حقوق الإنسان التي انعقدت في جنيف ضمن النقاش التفاعلي تحت البند السابع، أدانت خلالها علاقات البحرين والإمارات مع إسرائيل والتي جاءت على حساب حقوق الشعب الفلسطيني.

 

سجناء منسيون خلف القضبان 

رغم إنتهاء فترة عقوبتهم، لا يزال عدد من سجناء الرأي يقبعون في السجون الإماراتية حتى الآن. ولعل أبرزهم السجين محمود الحوسني، القابع في سجن الرزين سيئ السمعة رغم انقضاء مدة عقوبته منذ أكثر من عام، وذلك بحجة تشكيله خطرا إرهابيا مزعوماً. كما يبرز في هذا النطاق إسم سجين الرأي فهد عبد القادر الهاجري وأخاه عبد الله المدانين بقضية الإمارات 94، واللذين كانا عرضة لمحاكمة غير عادلة. ورغم انقضاء محكوميتهم، لا يزالان قيد الإعتقال.

في 30 يوليو 2020، وبمناسبة عيد الأضحى، قرر الرئيس الإماراتي الشيخ خليفة بن زايد العفو عن 515 سجين. إلا أن هذا العفو استثنى معتقلي الرأي، المدافعين عن حقوق الإنسان، المدونين، الناشطين، والمحامين.

كما طورت الإمارات العربية المتحدة عملية مساومة مع النشطاء المسجونين وسجناء الرأي لإجبارهم على الظهور في وسائل الإعلام حيث عليهم التوبة والتعبير عن الندم مقابل الإفراج عنهم. عندما يتم الإفراج عنهم، يتم وضعهم قيد الإقامة الجبرية، ويجب عليهم ارتداء سوار الكاحل الإلكتروني حتى تتمكن السلطات من تتبع تحركاتهم. يُحتجز العديد من النشطاء في السجن بعد انتهاء فترة الأحكام الصادرة عليهم بزعم أنهم يشكلون تهديداً لأمن الدولة وعلى أساس أنهم ما زالوا بحاجة إلى إعادة التأهيل. غالباً ما يتم نقل السجناء الذين من المقرر الإفراج عنهم من سجن الرزين إلى مركز المناصحة…”

 

تفشي كورونا في السجون الإماراتية

وفقا لتقرير أعدته منظمة هيومن رايتس ووتش في يونيو 2020، تفشى فيروس كورونا في ثلاثة مراكز احتجاز على الأقل في أنحاء الإمارات، وهي سجن الوثبة، سجن العوير، ومركز احتجاز البرشاء الجديد. وبحسب هذا التقرير، بعض السجناء الذين يعانون من أمراض مزمنة حُرموا من الرعاية الطبية المناسبة، بالإضافة إلى الإكتظاظ وظروف السجن غير الصحية التي تجعل التباعد الاجتماعي والنظافة صعبة للغاية. كما أن السلطات الإماراتية لا تقدم معلومات إلى السجناء وعائلاتهم حول التفشي المحتمل أو الإجراءات الاحترازية. كما أن سلطات السجون الإماراتية لم تتخذ الإجراءات المناسبة لمنع انتشار الفيروس، مثل توفير كميات أكبر من الصابون ومعقم اليدين أو توزيع القفازات والكمامات على المحتجزين. وقالت عائلات السجناء لمنظمة هيومن رايتس ووتش إنه “منذ تفشي الفيروس، شملت الإجراءات الاحترازية حراس السجن والعاملين الذين أوقفوا كل اتصال جسدي بالسجناء، ولم يعد السجناء يتمكنون من مغادرة عنابرهم كما من قبل لشراء الطعام أو الضروريات الأساسية”. كما أفاد التقرير عن حرمان السجناء المصابين بالفيروس من الإتصال بالعالم الخارجي. وأفادت المنظمة أن السلطات منعت السجناء حاملو فيروس نقص المناعة البشرية من الذهاب إلى المستشفى للعلاج بحجة السيطرة على وباء كورونا، وأنها حتى حرمتهم من الأدوية الخاصة بفيروس الإيدز.

 

المعاملة غير الإنسانية في السجون

تتعرض الناشطات المعتقلات في السجون الإماراتية لانتهاكات عدة في السجون قد تكون أبشع مما يتعرض له الرجال، ما يتعارض مع الصورة التي تحاول السلطات الإماراتية إظهارها، والتي تفيد بأن المرأة الإماراتية تتمتع بالحرية في بلادها.

في 17 مارس 2020، وجه المقرر الخاص المعني بالتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو غير الإنسانية أو المهينة، والمقرر الخاص المعني بحق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى يمكن بلوغه من الصحة البدنية والعقلية، نداء عاجل إلى السلطات الإماراتية يطلب منها التحقيق في ظروف الاحتجاز التي تصل إلى حد التعذيب أو العقوبة القاسية أو المعاملة غير الإنسانية وإجراء الإصلاحات.

ويعدّ سجن الرزين أكثر سجن سيء السمعة يلقب هذا السجن بـ”غوانتانامو الإمارات” نظرا للإنتهاكات التي تحصل داخله. ويضم هذا السجن سيئ السمعة سجناء حق عام وسجناء رأي وحقوقيين وجامعيين وموظفي حكومة بالإضافة إلى سجناء من جنسيات عربية. ويشرف عليهم جنود مرتزقة من جنسيات أجنبية أغلبهم من الجنسية النيبالية. يشتهر هذا السجن بالإخفاء القسري للسجناء واعتقالهم تعسفياً و تعرض السجناء للتعذيب والأذى المعنوي. كما يشتهر هذا السجن بالمداهمات الليلي، التحرش الجنسي، غياب المتابعة الصحية للسجناء، وحرمان أهاليهم ومحاميهم من زيارتهم.كل هذه الممارسات تتعارض مع القوانين الإماراتية.

التجسس على مستخدمي الإنترنت

في سبتمبر 2020، كشفت دراسة أجرتها إمباكت الدولية لسياسات حقوق الإنسان عن أن ثماني شركات تزويد إنترنت في الإمارات؛ وهي اتصالات، ودو، والثريا، وسكاي ستريم، ونداء، وياه سات، وسوايب، وفيرجن موبايل، تستبيح خصوصية معلومات المشتركين في خدماتها، بشكلٍ يسمح لها بحرية التصرف بمعلوماتهم الشخصية وتخزينها ومشاركتها مع أطراف ثالثة، دون وجود رادعٍ حقيقي. فيما كشفت دعوى قضائية في السياق ذاته عن استخدام الإمارات شركة تجسس إسرائيلية للتجسس على صحافيين ومدافعين عن حقوق الإنسان في الإمارات.

على صعيد متصل بهذا التجسس على مستخدمي الإنترنت، ورغم الإتهامات الموجهة لتطبيق “توتوك” بالتجسس على مستخدميه، عاد التطبيق إلى “غوغل بلاي ستور” في أوائل هذا العام، قبل أن يحذف مجددا في فبراير من العام ذاته. وفي تحقيقات عدة، ثبت أن للشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، مستشار الأمن القومي في الإمارات، علاقة بهذا التطبيق الذي كان رائجا بقوة في الإمارات كونه التطبيق الوحيد الذي كان يسمح باستخدامه في الدولة لإجراء مكالمات فيديو ومكالمات صوتية.

تورطها في الحرب على اليمن

 في 24 سبتمبر، ألقت منظمة ADHRB مداخلة شفهية في الدورة 45 لمجلس حقوق الإنسان التي انعقدت في جنيف ضمن النقاش التفاعلي تحت البند الثالث، أعربت خلالها عن استيائها إزاء استمرار الإنتهاكات الممنهجة بحق الشعب اليمني والحصار غير القانوني. واستنكرت المنظمة مصادرة دول التحالف، بما فيها الإمارات، 22 سفينة تحمل وقودًا وغذاءً وأدوية للشعب اليمني الذي يعاني من كارثة إنسانية كبرى جراء الحرب والحصار المفروض عليه من قبل دول التحالف العربي.

وفي 17 سبتمبر 2020، وخلال الدورة ذاتها، أثارت منظمة  ADHRB  القلق بشأن استخدام الإمارات للخدمات العسكرية والأمنية لانتهاك حقوق الإنسان، خاصة في اليمن. أشارت المنظمة إلى استخدام الإمارات العربية المتحدة العديد من الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، لإنشاء وإعداد قواعد عسكرية دائمة ومؤقتة في اليمن. وقد شاركت هذه الشركات الخاصة الإماراتية الخاضعة للإشراف في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ضد الشعب اليمني، بما في ذلك عمليات القتل خارج نطاق القانون داخل البلاد وعلى الحدود. كما استنكرت المنظمة استخدام التحالف المكثف للشركات العسكرية الخاصة، وللمجندين الأجانب المقدرين بعشرات الآلاف من المرتزقة “من إفريقيا، وأمريكا الجنوبية، وانتشارهم في الحرب اليمنية خاصة من قبل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، بدعم من الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا. فبشكل عام، يتلقى المرتزقة مهمات تنطوي على انتهاك حقوق الإنسان، مثل حق تقرير المصير للشعب اليمني، وبالتالي فإن هذا يساهم في تدهور الوضع الإنساني”.

بحسب تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش في تموز 2020، فإن الإمارات لا تراعي الشروط الصحية في سجن بئر أحمد السري الواقع تحت سيطرتها في محافظة عدن في اليمن. فبحسب التقرير، رغم تفشي وباء كورونا في اليمن، ورغم ظهور أعراض الوباء على أكثر من سجين، لم يقدم المسؤولون عن السجن أي حل لمشكلة الإكتظاظ فيه، مما يهدد بكارثة كبرى في حال تفشى الوباء أكثر في السجن. كما يفتقر المحتجزون إلى كمّامات، وقفازات، ومنتجات النظافة الشخصية اللازمة لحماية أنفسهم من فيروس كورونا، ناهيك عن الإعتقال التعسفي لهم وتعرضهم لأقسى أنواع التعذيب، رغم المشاكل الصحية التي يعاني منها بعضهم.

تنشط الإمارات في الحرب على اليمن من خلال مشاركتها مع التحالف العربي في هذه الحرب منذ عام 2015، وبالتالي مشاركتها في الإنتهاكات الكبرى بحق أبسط حقوق الإنسان في اليمن. والأنكى من ذلك تدمير دول التحالف، خاصة الإمارات والسعودية، الإقتصاد اليمني والبنى التحتية اليمنية، ومن ثم استغلال المساعدات المقدمة من وكالات الإغاثة الدولية والتي تمر عبر هاتين الدولتين لتقديم نفسيهما بصورة المنقذ للشعب اليمني، وبالتالي إطالة أمد الحرب.

رغم هذه الجرائم المرتكبة من قبل دول التحالف، بمن فيهم الإمارات، بحق الشعب اليمني، وبالرغم من ارتكاب جرائم أخرى، لا تزال الدول الغربية، خاصة الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، تصدر أسلحتها إلى الإمارات، ما يساهم في إطالة أمد الحرب، ضاربين عرض الحائط جميع المبادئ الغربية القائمة على احترام حقوق الإنسان.

بعكس نموذج التطور الذي تحاول الإمارات العربية المتحدة إظهاره وتلميعه، تمعن هذه الدولة في انتهاك حقوق الإنسان داخل وخارج حدودها. داخل الحدود الإماراتية، يلاحظ سوء معاملة العمال الإفريقيين، التضييق على حرية التعبير، سوء المعاملة بحق السجناء خاصة في السجون التي تفشى فيها وباء كورونا، والتجسس على مشتركي الإنترنت. أما خارج الحدود الإماراتية، تحديدًا في اليمن، تستمر الإمارات مع التحالف العربي في قتل الشعب اليمني وتجويعه وتدمير اقتصاده وبناه التحتية والإعتقال التعسفي والتعذيب في السجون السرية رغم انتشار وباء كورونا في أحد هذه السجون، بالإضافة إلى استخدام المرتزقة في الحرب بعد خداعهم بوظائف في الإمارات.