الإدارة العامة للإصلاح والتأهيل ومركز شرطة المحرّق بين واقع الإنتهاكات ومحاولات تبييض الصورة

  في 7 ديسمبر 2020،  قدمت  الشركة الفرنسية (BUREAU VERITAS ) للإدارة العامة للإصلاح والتأهيل جائزة أول مؤسسة إصلاحية في الشرق الأوسط في مجال التنفيذ والامتثال لبروتوكولات الصحة والسلامة والنظافة الدولية ضد فيروس كورونا وهذا ما يدعو للإستغراب ووضع علامات الإستفهام أنّ تلك الشركة العالمية المختصة بمنح الشهادات المتعلقة بمعايير الجودة وتحديداً للمؤسسات الحكومية لم تدقق جيّداً ولم تتصرف بشفافية قبل منح تلك الجائزة للإدارة العامة للإصلاح والتأهيل. هذه الجائزة جاءت بعد أيام من وقف أكثر من 500 سجين من مختلف مباني السجون في المؤسسة إضرابهم الذي استمر لأكثر من أسبوعين، احتجاجا على مختلف أشكال سوء المعاملة التي يتعرضون لها والتي من أبرزها حرمانهم من ادنى معايير النظافة العامة والشخصية وصولا لحرمانهم من الرعاية الصحية الضرورية.  كان قد سبق ذلك ، في  6 ديسمبر 2020، زيارة وزيرة داخلية المملكة المتحدة إلى مديرية شرطة محافظة المحرق، المديرية التي شهدت على احتجاز وتعذيب مئات الضحايا من المعارضين السلميين ، حيث عبّرت عن إعجابها بعمل الشرطة. هذه الزيارة كانت محور انتقاد عدد من الناشطين البحرينيين في مقابلات أجروها مع صحيفة الإندبندنت البريطانية، خاصة أولئك الذين تعرضوا للتعذيب في هذا المركز. في هذا الإطار، ترفض منظمة ADHRB محاولة إدارة الشركة الفرنسية  ووزيرة داخلية المملكة المتحدة  تلميع صورة  حكومة البحرين التي  تنتهك  من خلال مؤسساتها المختلفة حقوق الموقوفين والمحكومين  المحتجزين وتعمد إلى تبييض انتهاكاتها أمام المجتمع الدولي.

 

الإدارة العامة للإصلاح والتأهيل

تدير الإدارة العامة للإصلاح والتأهيل مرافق الاحتجاز طويلة الأجل في البحرين ومنها: مركز احتجاز حوض الجاف ومركز مدينة عيسى وسجن جو المركزي. بحيث أن بعد الاعتقال الأولي والاستجواب في مراكز شرطة المحافظات المحلية أو منشآت إدارة البحث الجنائي، يتم إطلاق سراح المحتجزين أو إعادة سجنهم لفترة طويلة قبل توجيه الاتهام إلى حين التحقيق أو توجيه التهم إليهم. وفي كلا الحالتين يتم نقل الذكور الى سجون مستقلة عن تلك التي يتم نقل فيها النساء. وبالفعل، بحسب الأرقام التي قدمتها الأمم المتحدة، نجد أن البحرين تحظى بأعلى نسبة سجناء في الشرق الاوسط. وتشير التقديرات إلى أن ما بين 3000 و 4000 من المعتقلين الحاليين في البحرين هم سجناء سياسيون محتجزين بتهم ملفقة من اعترافات بالإكراه أو نابعة فقط من نشاط سياسي مجرم أو نشاط في مجال حقوق الإنسان. كان لمنظمة ADHRB دور كبير بتوثيق حالات الانتهاكات الفردية لحقوق الإنسان التي ارتكبتها هذه الإدارة، ورفعت العديد من الشكاوى الى مختلف مكاتب بالأمم المتحدة حول تلك الانتهاكات ،  وتبين أنّ موظفي هذه الادارة تورطوا بشكل مباشر، حوالي 62% من الإنتهاكات التابعة  لوزارة الداخلية وهي أعلى معدل للمخالفات التابعة لوزارة الداخلية. علاوة على ذلك، سجلت المنظمة حوادث متواصلة من التمييز الديني والتعذيب، بما في ذلك العقوبات الجماعية للسجناء، مثل محاولات الهرب أو الاحتجاجات أو الإضرابات عن الطعام.

وحول الادعاءات المتعلقة باتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة من وباء كورونا، تبين مؤخرًا في  28 نوفمبر أن المحكوم سعيد عاشور مكي يعاني من حرمانه من الملابس ومن الصابون ومن مختلف أدوات النظافة والتعقيم الضرورية للوقاية من فيروس كورونا في المبنى 16 من سجن جو، رغم معاناته من مرض خطير في القلب، وهو الذي لم يتم تقديم العلاج المناسب له من قبل إدارة السجن.

في محاولة لتبييض صفحة الإدارة العامة للإصلاح والتأهيل، زعم مدير عام الإدارة في 13 نوفمبر 2020 أن المعتقل السياسي الأستاذ حسن مشيمع يتلقى كافة الحقوق المنصوص عليها في قانون الإصلاح والتأهيل ولائحته التنفيذية، ومن بينها الرعاية الصحية الكاملة، زاعما أن مشيمع يزور المستشفى بشكل دوري لمتابعة حالته الصحية، بينما في الواقع كان الأستاذ مشيمع قد أدخل إلى طوارئ المستشفى بعد تدهور حالته الصحية بسبب إهمالها من قبل الإدارة، وليس لاصطحابه إلى زيارات طبية روتينية في عيادات المستشفى كما زعم المدير العام. فقد نُقل الى المستشفى العسكري في 19 أكتوبر 2020، بعد ارتفاع ضغطه بشكل حاد وخطير (وصل إلى 200 درجة)، ما أدى إلى إصابته بضيق شديد في التنفس. ومكث في المستشفى قرابة 6 ساعات ثم أعيد إلى السجن بعد أن هبط الضغط إلى 167، بعد علاجه بشكل طارىء عن طريق الوريد. كما وضع له جهاز تنفس اصطناعي، وقال له الطبيب بأنه سيحتاج لعرضه على إختصاصي خلال فترة قريبة لمعاينة حالة الاضطراب المستمر في الضغط والسكري ، علما أنه لم يعرض على إختصاصي سكري منذ عدة سنوات.  بسبب امتناع إدارة سجن جو عن تنسيق مواعيد له عند الطبيب.

في سبتمبر 2020، تلقت منظمة ADHRB معلومات عن تعرض المعتقل في سجن جو علي الوزير للتعذيب، ما أدى إلى تدهور حالته الصحية نتيجة الإصابات التي تعرض لها. وبعد تلك التطورات، تم عزل الوزير في المبنى 15، لأنه  تشاجر مع ضابط كان يهينه ويستفزه. ونتيجة لذلك ، نُقل إلى الحبس الانفرادي، وعُذب بأساليب مختلفة، ما أدى إلى كسر يده وإصابته بكدمات. بناء على تلك المعلومات، راسلت منظمة ADHRB المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، التي أكدت عدم تعرض الوزير لأي سوء معاملة. وردت المنظمة على ادعاءات المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، مؤكدة أنه خلال مكالمة الفيديو التي أجراها الوزير مع والديه ، بدا أن أسنانه مكسورة ، وكانت هناك جروح حول فمه، كما لم يستطع رفع ذراعه اليسرى أو تحريكها ، وظهرت كدمات في جميع أنحاء وجهه، ما يعتبر علامات واضحة على التعذيب وسوء المعاملة. وأكدت المنظمة أنه في مكالمة سابقة مع أحد أفراد أسرته ، طلب الوزير دعامة كتف لدعم كتفه ورقبته ، وأخبرهم أنه يعاني من ألم شديد، دون تحرك إدارة السجن إزاء الموضوع. وسألت منظمة ADHRB المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان: هل زرتم الوزير والتقيتم به؟ هل تم فحص إصاباته؟ هل شرعت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في إجراء تحقيق بشأن مزاعم التعذيب؟ هل تم التحقيق مع الضباط الذين عذبوا الوزير ورد ذكر أحدهم في طلبنا؟ إلا أن المنظمة لم تحصل على جواب عن هذه الأسئلة.

في وقت سابق ، في 10 يوليو 2020، قام السجناء في المباني 13 و 14 من سجن جو بإضراب عن الاتصال ، رافضين الاتصال بأسرهم احتجاجا على الظروف المروعة في السجن. وطالب المعتقلون ب: (1) توفير الرعاية الطبية للحالات الجلدية واسعة الانتشار، (2) وقف تكبيل اليدين الشديد عند اصطحاب النزلاء لعيادة السجن لأن هذا غالبًا ما يترك علامات وإصابات تتطلب العلاج، (3) ضبط مضايقة السجناء أثناء المكالمات وضمان حقهم في الخصوصية، (4) السماح للسجناء بممارسة الشعائر الدينية في المسجد، و (5) توفير منتجات النظافة الشخصية في السجن في ظل تفشي فيروس كورونا.  بناء على ما حصل مع هؤلاء المعتقلين الستة، راسلت منظمة ADHRB المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان.

في 7 أبريل 2020، فنّد المعتقل عبد الله حبيب سوار في رسالة صوتية ادعاءات ما جاء في تقرير متلفز على لسان رئيس الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان ماريا خوري حول الجهود المبذولة لحماية السجناء من وباء كورونا. وأكد عبد الله أن هذا الكلام عارٍ عن الصحة حيث لم يتم تعقيم المباني كما ذُكر، وبعد منع الزيارات لم يكن قد سمح باتصالات مرئية بعد في تلك الفترة، وتغيب الإجراءات الإحترازية عن المباني لتوخي انتشار فيروس كورونا.كذلك، وجّه المعتقل الصحافي محمود الجزيري في 8 أبريل 2020 رسالة صوتية إلى المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان وخصّ بها الرئيس ماريا خوري والأعضاء، كشف خلالها حقيقة التقرير الذي عُرض ضمن برنامج على التلفزيون البحريني الرسمي نافياً ما جاء به ومعتبراً أنه مسرحية مصورة ولا تمت لواقع السجن بصلة، حيث أنه تم التركيز على مبنى جديد افتتح منذ أسبوع في السجن ونقل إليه عدد بسيط من السجناء بينما تم التعتيم على المباني المزدحمة بالسجناء والتي تفتقد الى الظروف الصحية الملائمة ولا جهود مبذولة لحماية السجناء من فيروس كورونا. هنا سارعت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان إلى نفي ما عبرت عنه بالادعاءات المتداولة حول حرمان بعض نزلاء مركز الإصلاح والتأهيل من حقوقهم وخاصة الصحية. وذكرت عبر حسابها الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» أنه ورد إليها عدد من الادعاءات حول نقل أحد النزلاء (م.ج.) إلى الحبس الانفرادي بعد نشره تسجيلاً صوتيا بشأن الإجراءات الاحترازية التي تقوم بها إدارة مركز الإصلاح والتأهيل، والمتعلقة بفيروس كورونا، فاعتبرتها عارية عن الصحة. كذلك ادعى مدير عام الإدارة العامة للإصلاح والتأهيل بدء الإدارة تشغيل خدمة الاتصال المرئي بين النزلاء وذويهم ، وذلك بعد وقف الزيارات في وقت سابق.

وعندما اعتقلت الحكومة البحرينية هاجر منصور حسن التي أطلق سراحها في 5 مارس 2020 بعد انتهاء فترة محكوميتها، وهي والدة زوجة سيد أحمد الوادعي، وهو مدير الدعوة في معهد البحرين للحقوق والديمقراطية (BIRD)، وناشط بحريني في مجال حقوق الإنسان مقيم في لندن، وذلك بسبب عمل زوج ابنتها. اختلق مكتب الأمانة العامة للتظلمات روايةً ملفقة بشأن هاجر، مدعياً حصولها على الرعاية الصحية اللازمة ومكذباً “ادعاءات” التعذيب والإصابات البالغة ضدها الى جانب زعمهم تسجيل مقابلة بينها وبين محقق مكتب الأمانة العامة للتظلمات على الدوائر التلفزيونية المغلقة في مركز الإصلاح والتأهيل تبين فيها هاجر السماح لها بالزيارة المنتظمة لنجلها في سجن الحوض الجاف، وحصولها على الرعاية الصحية، وغيرها من الإدعاءات، بينما في الواقع تم إدخالها إلى المستشفى للمعالجة بسبب التعذيب الذي تعرضت له. وأثناء الاستجواب، تعرضت منصور للإيذاء الجسدي واللفظي. رغم كل ذلك، أكدت محكمة التمييز في البحرين إدانتها على الرغم من أن الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي خلص إلى أن سجنها يعدّ تعسفيا وعملية انتقامية، ورغم الأدلة الواضحة على التعذيب، رفض المسؤولون الحكوميون فتح تحقيق في قضيتها. وهنا أنشأت رسالة بعثة مملكة البحرين رواية مطوّلة منسوبة الى مكتب الأمانة العامة للتظلمات محاولةً تبييض انتهاكاتها في يخص هاجر منصور لتكذيب الإدعاءات الموجهة ضد إدارة السجن.

 

مركز شرطة المحرّق

يشتهر مركز مديرية شرطة المحرق بالتعذيب والتحرش الجنسي، بحيث تم توثيق عدد كبير من الانتهاكات التي ارتكبت في مرافق شرطة المحرق، في ظل تفشي ظاهرة الإفلات من العقاب. في هذا الإطار، تلقى المدير العام لشرطة محافظة المحرق فواز حسن الحسن، وهو شقيق مدير عام الشرطة البحرينية طارق الحسن، ترقيات مستمرة على الرغم من تورطه في العديد من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتكبها أفراد الشرطة داخل منشأة المحرق تحت قيادة العقيد الحسن، والتي وثقتها منظمة ADHRB، وهو الذي تدرب في بريطانيا. على سبيل المثال، داهم عناصر بالزي المدني وضباط يرتدون الزي الرسمي لوزارة الداخلية منزل أحمد دون مذكرة ونقلوهم إلى محطة المحرق. هناك قام الأفراد بتعذيبه بما في ذلك بالصدمات الكهربائية والضرب بالأسلاك. لقد حرموه من الطعام والنوم والماء واجبروه على الوقوف وفي النهاية، أجبروه على تقديم اعترافات مع السلطات بما فيه انتهاك للمعايير الدولية.

في مايو 2017، استدعى المسؤولون البحرينيون المدافعة عن حقوق الإنسان ابتسام الصائغ لاستجوابها في مركز شرطة المحرق بعد عودتها من المشاركة في الدورة الرابعة والثلاثين لمجلس حقوق الإنسان. احتجزها هناك ضباط من جهاز الأمن الوطني واستجوبوها لمدة سبع ساعات وأجبروها على الوقوف طوال مدة استجوابها، واعتدوا عليها جسدياً ولفظياً ونفسياً وجنسياً وأساءوا معاملتها عبر  تهديدها وعائلتها في محاولة لمنعها من متابعة الدفاع عن حقوق الإنسان وحاولوا الحصول على معلومات حول ارتباطها بالمنظمات الدولية لحقوق الإنسان ومجلس حقوق الإنسان.
كما استهدف المسؤولون في أبريل 2017 الناشطة نجاح يوسف بعد استدعائها للاستجواب في مركز شرطة المحرق  بتهمة المشاركة في تجمعات غير قانونية. واتهمت يوسف بهذه الاتهامات بسبب انتقاداتها لسباق جائزة البحرين الكبرى عام 2017. عندما رفضت إعطاء معلومات للحكومة، قام الضباط بضربها، والاعتداء عليها جنسياً وتعذيبها لمدة سبع إلى ثماني ساعات على مدى ثلاثة أيام، كما تمت إزالة حجابها بالقوة، وهددت بالاغتصاب. ورغم كل ما حصل، لم يُحاسب أي من المسؤولين الكبار على إساءة معاملتها أو تعذيبها.

في العام ذاته، تعرض الناشط المقيم في المنفى حاليا يوسف الجمري للتعذيب والتهديد بالاغتصاب في مركز شرطة المحرق، وهو الذي أبدى عدم فهمه للزيارة التي قامت بها وزيرة داخلية المملكة المتحدة في مداخلة له مع صحيفة الإندبندنت.

ما ذكر ليس سوى أمثلة بسيطة عما حصل ويحصل في مراكز الإصلاح والتأهيل وفي مركز شرطة المحرق، من تعذيب وإهمال وتحرش جنسي بالسجناء، خاصة النساء والمعتقلين السياسيين. وهذه الأمثلة يجب أن تبقى راسخة في ذهن جميع الذين تهمهم قضايا حقوق الإنسان، قبل إعطاء أي شهادة أو إشادة بهذه المراكز وفقا للتبييض الذي تمارسه حكومة البحرين، فهذه الشهادات والإشادات تساهم في تبييض صورة البحرين في مجال حقوق الإنسان.